كتاب جامع بيان العلم وفضله - ت السعدني ط العلمية

الواسطي قال: نا محمد بن المثنى أبو موسى قال: نا حجاج بن المنهال قال: نا حماد بن سلمة عن غير واحد من عن الزهري قال: إياكم وأصحاب الرأي، أعيتهم الأحاديث أن يعوها.
قال أبو عمر: اختلف العلماء في الرأي المقصود إليه بالذم والعيب في هذه الآثار المذكورة في هذا الباب، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أصحابه رضي اللّه عنهم وعن التابعين لهم بإحسان. فقالت طائفة: الرأي المذموم هو البدع، المخالفة للسنن في الاعتقاد، كرأي جهم وسائر مذاهب أهل الكلام، لأنهم قوم قياسهم وآرائهم في رد الأحاديث، فقالوا: لا يجوز أن يرى اللّه عز وجل في القيامة، لأنه عز وجل يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ
فردوا قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنكم ترون ربكم يوم القيامة. وتأولوا في قول اللّه عز وجل وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ
تأويلا لا يعرفه أهل اللسان، ولا أهل الأثر.
وقالوا: لا يجوز أن يسئل الميت في قبره لقول اللّه عز وجل أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ
فردوا الأحاديث المتواترة في عذاب القبر وفتنته، وردوا الأحاديث في الشفاعة على تواترها، وقالوا: لا يخرج من النار من دخل فيها، وقالوا: لا نعرف حوضا لا ميزانا، ولا نعقل ما هذا، وردوا السنن في ذلك كله برأيهم وقياسهم إلى أشياء يطول ذكرها في كلامهم في صفات الباري تبارك وتعالى. وقال جماعة من أهل العلم: إنما الرأي المذموم المعيب المجهور، الذي لا يحل النظر فيه ولا الاشتغال به بالرأي المبتدع وشبهه من ضروب البدع.]
1137 - وحدثنا محمد بن خليفة، ثنا محمد بن الحسين، نا ابن أبي داود قال: سمعت أبي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (لا تكاد ترى أحدا نظر في هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل). وقال آخرون (و هم جمهور أهل العلم): الرأي المذموم في هذه الآثار عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات، ورد الفروع والنوازل بعضها على بعض قياسا دون ردها على أصولها، والنظر في عللها واعتبارها، فاستعمل فيها الرأي قبل أن تنزل، وفرعت وشققت قبل أن تقع وتكلم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن، قالوا: وفي الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل السنن والبعث على حملها، وترك الوقوف على ما يلزم للوقوف عليه منها، ومن كتاب اللّه عز وجل ومعانيه، واحتجوا على صحة ما ذهبوا إليه من ذلك بأشياء منها.

الصفحة 420