كتاب جامع بيان العلم وفضله - ت السعدني ط العلمية

وابن أبي يحيى، وابن أبي الزناد وعابوا أشياء من مذهبه، وتكلم فيه غيرهم لتركه الرواية عن سعيد ابن إبراهيم، ولرواية عند داود بن الحصين وتور بن زيد، وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسدا لموضع إمامته، وعابه قوم في إنكاره المسح على الخفين في الحضر والسفر، وفي كلامه في علي وعثمان، وفي فتياه إتيان النساء في الأعجاز، وفي قعوده عن مشاهدة الجماعة في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونسبوه بذلك إلى مالا يحسن ذكره، وقد برأ اللّه عز وجل مالكا عما قالوا، وكان إن شاء اللّه عند اللّه وجيها، وما مثل من تكلم في مالك والشافعي ونظائرهما من الأئمة إلا كما قال الشاعر الأعشي:
كناطح صخره يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
أو كما قال الحسين بن حميد:
يا ناطح الجبل العالي ليكلمه ... أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
وكلام أبي الزناد في ربيعة وهو من هذا الباب أيضا.
ولقد أحسن أبو العتاهية حيث يقول:
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما ... وللناس قال بالظنون وقيل
وهذا خير من قول القائل:
وما اعتذارك من شيء إذا قيل.
فقد رأينا الباطل والبغي والحسد أسرع الناس إليه قديما، أ لا ترى إلى قول الكوفي في سعد ابن أبي وقاص أنه لا يعدل في الرعية ولا يغزو السرية ولا يقسم بالسوية، وسعد بدري وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - الشوري فيهم وقال: توفى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو عنهم راض.
وقد روي أن موسى عليه السلام قال: (يا رب! اقطع عني ألسن بن إسرائيل، فأوحى إلي اللّه تعالى إليه: يا موسى! إلم أقطعها عن نفسي فكيف أقطعها عنك؟).
قال أبو عمر: واللّه لقد تجاوز الناس الحد في الغيبة والذم، فلم يقنعوا بذم العامة دون الخاصة، ولا بذم الجهال دون العلماء، وهذا كله يحمل عليه والحسد.

الصفحة 448