كتاب جامع بيان العلم وفضله - ت السعدني ط العلمية

قيل لابن المبارك: فلان يتكلم في أبي حنيفة فأنشد بيت ابن الرقيات.
حسدوك إن رأوك فضلك ... اللّه بما فضلت به النجباء
وقيل لأبي عاصم النبيل: فلان يتكلم في أبي حنيفة فقال: هو كمال قال نصيب:
سلمت وهل حي على الناس يسلم قال أبو الأسود الدؤلي:
حسدوا الفتى إذا لم ينالوا سعيه ... فالناس أعداء له وخصوم
فمن أن يقبل قول العلماء الثقات الأئمة الأثبات بعضهم في بعض فليقبل قول من ذكرنا قوله من الصحابة - رضوان اللّه عليهم - بعضهم في بعض، فإن فعل ذلك ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا وكذلك إن قبل في سعيد بن المسيب، قول عكرمة، وفي الشعبي وأهل الحجاز وأهل مكة وأهل الكوفة وأهل الشام على الجملة، وفي مالك، والشافعي، وسائر من ذكرناه في هذا الباب ما ذكرناه عن بعضهم في بعض، فإن لم يفعل ولن يفعل إن هداه اللّه وألهمه رشده فليقف عندما شرطنا في أن لا يقبل فيمن صحت عدالته، وعلمت بالعلم عنايته، وسلم من الكبائر ولزم المرؤة والتصاون، وكان خيره غالبا وشره أقل عمله، فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به، وهذا هو الحق الذي لا يصح غيره إن شاء اللّه.
قال أبو العتاهية:
بكى شجوه الإسلام من علمائه ... فما اكترثوا لما رأوا من بكائه
فأكثرهم مستقبح لصواب من ... يخالفه مستحسن لخطائه
فأيهم المرجو فينا لدينه ... وأيهم الموثوق فينا برأيه
والذين أثنوا على سعيد بن المسيب وعلى سائر من ذكرنا من التابعين وأئمة المسلمين أكثر من أن يحصوا، وقد جمع الناس فضائلهم وعنوا بسيرهم وأخبارهم، فمن قرأ فضائلهم وفضائل مالك، وفضائل الشافعي، وفضائل أبي حنيفة بعد فضائل الصحابة والتابعين - رضي اللّه عنهم، وعني بها ووقف على كريم سيرهم، وسعى في الاقتداء بهم، وسلوك سبيلهم في علمهم، وفي سمتهم، هديهم وكان ذلك له عملا زاكيا، نفعنا اللّه عز وجل بحبهم جميعهم.

الصفحة 449