كتاب جامع بيان العلم وفضله - ت السعدني ط العلمية

باب رتب الطلب، وكشف المذهب
قال أبو عمر رحمه اللّه: طلب العلم درجات ومناقل ورتب لا ينبغي تعديها، ومن تعدها حملة فقد تعدى سبيل السلف - رحمهم اللّه - ومن تعدي سبيلهم عامدا ضل، ومن تعداه مجتهدا زل.
فأول العلم حفظ كتاب اللّه عز وجل وتفهمه، وكل ما يعين على فهمه فواجب طلبه معه، ولا أقول إن حفظه كل فرض، ولكني أقول إن ذلك شرط لازم على من أحبّ أن يكون عالما فقيها ناصبا نفسه للعلم، ليس من باب الفرض.
1229 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ، نا أحمد بن زهير، ثنا سعيد ابن سليمان، ثنا ميمون أبو عبد اللّه، عن الضحاك، في قوله تعالى: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ
قال: حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيها.
وقد تقدم قول أبي الدراداء: (لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها)، وقال مجاهد: (ربانيين: فقهاء).
وقال سعيد بن جبير وأبو رزين وقتادة: (علماء حلماء).
قال أبو عمر: القرآن أصل العلم فمن حفظه قبل بلوغه، ثم فرغ إلى ما يستعين به على فهمه من لسان العرب كان ذلك له عونا كبيرا على مراده منه، ومن سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم ينظر في ناسخ القرآن ومنسوخه وأحكامه، ويقف على اختلاف العلماء واتفاقهم في ذلك، وهو أمر قريب على من قربه اللّه عز وجل عليه، ثم ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فبها يصل الطالب إلى مراد اللّه عز وجل في كتابه، وهي تفتح له أحكام القرآن فتحا.
وفي سير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تنبيه على كثير من الناسخ والمنسوخ في السنن، ومن طلب السنن فليكن معوله على حديث الأئمة الثقات الحفاظ الذين جعلهم اللّه عز وجل خزائن لعلم دينه وأمناء على سنن رسوله صلى اللّه عليه وسلم كمالك بن أنس الذي اتفق المسلمون طرا على صحة نقله ونقاوة حديثه، وشدة توقفه وانتقاده، ومن جرى مجراه من ثقات علماء الحجاز والعراق

الصفحة 455