كتاب جامع بيان العلم وفضله - ت السعدني ط العلمية

عبيد اللّه بن عمر الشافعي يقول: قال الشافعي: من حفظ القرآن عظمت حرمته، ثم ذكر مثله سواء إلى آخره.
ويلزم أصحاب الحديث أن يعرفوا الصحابة المؤدين للدين عن نبيهم صلى اللّه عليه وسلم ويعنى بسيرهم وفضائلهم، ويعرف أحوال الناقلين عنهم وأيامهم وأخبارهم حتى يقف على العدول منهم وغير العدول، وهو أمر قريب كله على من اجتهد، فمن اقتصر على علم إمام واحد وحفظ ما كان عنده من السنن وقف على غرضه ومقصده في الفتوى حصل على نصيب من العلم وافر، وحظ فيه حسن صالح، فمن قنع بهذا اكتفى، والكفاية غير الغنى، والاختيار له أن:
يجعل إمامه في ذلك إمام أهل المدينة دار الهجرة ومعدن السنة، ومن طلب الإمامه في الدين وأحب أن يسلك سبيل الذين جاز لهم الفتيا نظر في أقاويل الصحابة والتابعين والأئمة في الفقه إن قدر على ذلك نأمره بذلك كما أمرناه بالنظر في أقاويلهم في تفسير القرآن، فمن أحب الاقتصار على أقاويل علماء الحجاز اكتفى إن شاء اللّه واهتدى، وإن أحب الإشراف على مذاهب الفقهاء متقدمهم ومتأخرهم بالحجاز والعراق، وأحب الوقوف على ما أخذوا وتركوا من السنن، وما اختلفوا في تثبته وتأويله من الكتاب والسنة كان ذلك له مباحا، ووجها محمودا إن فهم وضبط، وما علم أو سلم من التخليط نال درجة رفيعة، ووصل إلى حسيم من العلم، واتسع ونبل إذا فهم ما أطلع، وبهذا يحصل الرسوخ لمن وفقه اللّه وصبر على هذا الشأن واستحلى مرارته واحتمل ضيق المعيشة فيه.
واعلم - رحمك اللّه - أن طلب العلم في زماننا هذا وفي بلدنا قد حاد أهله عن طريق سلفهم، وسلكوا في ذلك ما لم يعرفه أئمتهم، وابتدعوا في ذلك ما بان به جهلهم وتقصيرهم عن مراتب العلماء قبلهم، فطائفة منهم تروي الحديث ولتسمعه قد رضيت بالدؤوب في جمع ما لا تفهم وقنعت بالجهل في حمل ما لا تعلم، فجمعوا الغث والسمين، والصحيح والسقيم، والحق والكذب في كتاب واحد وربما في ورقة واحدة، ويدينون بالشيء وضده، ولا يعرفون ما في ذلك عليهم، وقد شغلوا أنفسهم بالاستكثار عن التدبر والاعتبار، فالسنتهم تروي العلم، وقلوبهم قد خلت من الفهم، وقلوبهم قد خلت من الفهم، غاية أحدهم معرفة الكنية العربية والاسم الغريب والحديث المنكر، وتجده قد جهل ما لا يكاد يسع أحدا جهله من علم صلاته وحجه وصيامه وزكاته، وطائفة هي في الجهل كتلك أو أشد، لم يعنوا بحفظ سنة ولا الوقوف على معانيها ولا بأصل القرآن ولا أعتنوا بكتاب اللّه عز وجل فحفظوا تنزيله، ولا عرفوا ما

الصفحة 458