كتاب جامع بيان العلم وفضله - ت السعدني ط العلمية

للعلماء في تأويله، ولا وقفوا على أحكامه، ولا تفقهوا في حلاله وحرامه، قد أطرحوا علم السنن والآثار، وقفوا على أحكامه، ولا تفقهوا في حلاله وحرامه، قد أطرحوا علم السنن والآثار، وزهدوا فيه، وأضربوا عنها، فلم يعرفوا الإجماع من الاختلاف، ولا فرقوا بين التنازع والائتلاف، بل عوّلوا على حفظ ما دوّن لهم من الرأي والاستحسان الذي كان عند العلماء آخر العلم والبيان، وكان الأئمة يبكون على ما سلف وسبق لهم من الفتوى فيه، ويودون أن حظهم السلامة منه، ومن حجة هذه الطائفة فيما عولوا عليه أنهم يقصرون وينزلون عن مراتب من له المراتب في الدين بجهلهم بأصوله، وأنهم مع الحاجة إليهم لا يستغنون عن أجوبة الناس في مسائلهم وأحكامهم، فلذلك اعتدموا على ما قد كفاهم الجواب غيرهم، فهم يقيسون على ما حفظوا من تلك المسائل، ويفرضون الأحكام فيها، ويستدلون منها، ويتركون طريق الاستدلال من حيث استدل الأئمة وعلماء الأمة، فجعلوا ما يحتاج أن يستدل عليه دليلا على غيره، ولو علموا أصول الدين وطرق الأحكام، وحفظوا السنن كان ذلك قوة لهم على ما ينزل بهم، ولكنهم جهلوا ذلك فعادوه، وعادوا أصحابه، فهم يفرطون في انتقاص الطائفة الأولى وتجهيلهم وعيبهم، وتلك تعيب هذه بضروب من العيب، وكلهم يتجاوز الحد في الذم، وعند كل واحد من الطائفتين خير كثير وعلم كبير، أما أولئك فكالخزان الصيدلانيين وهؤلاء في جهل معاني ما حملوه مثلهم، إلا أنهم كالمعالجين بأيديهم لعلل لا يقفون أقرب إلى السلامة في العاجل والآجل، وهؤلاء أكثر فائدة في العاجل وأكبر عذلا في الآجل، وإلى اللّه تعالى نفزع في التوفيق لما يقرب من رضاه ويوجب السلامة من سخطه، فإنما تنال ذلك برحمته وفضله.
واعلم يا أخي أن المفرط في حفظ المولدات لا يؤمن عليه الجهل بكثير من السنن إذا لم يكن تقدم علمه بها، وأن المفرط في حفظ طرق الآثار دون الوقوف على معانيها وما قال الفقهاء فيها لصغر من العلم، وكلاهما قانع بالشم من الطعام، ومن اللّه التوفيق والحرمان، وهو حسبي وبه أعتصم.
واعلم يا أخي أن الفروع لاحد لها تنتهي إليه أبدا فلذلك تشعبت، فلذلك من رام أن يحيط بآراء الرجال فقد رام ما لا سبيل له ولا بغيره إليه، لأنه لا يزال يرد عليه ما لم يسمع، ولعله أن ينسى أول ذلك بآخره لكثرته فيحتاج إلى أن يرجع إلى الاستنباط الذي كان يفزع منه

الصفحة 459