كتاب جامع بيان العلم وفضله - ت السعدني ط العلمية

وأجازوا النظر في اختلاف أهل مصر، وغيرهم من أهل المغرب فيما خالفوا فيه مالكا من غير أن يعرفوا وجه قول مالك ولا وجه قول مخالفة منهم، ولم يبيحوا النظر في كتب من خالف مالكا إلى دليل يبينه، ووجه يقيمه لقوله وقول مالك، جهلا فيهم وقلة نصح، وخوفا من أن يطلع الطالب على ما هم فيه من النقص والقصر والقصر فيزهد فيهم، وهم مع ما وصفنا يعييون من خالفهم ويغتابونه، ويتجاوزون القصد في ذمه، ليوهموا السامع لهم أنهم على حق، وإنهم أولى باسم العلم، وهم كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً، وإن أشبه الأمور بما هم عليه ما قاله منصور الفقيه رحمه اللّه:
خالفوني وأنكروا ما أقول ... قلت لا تعجلوا فإني مسؤول
ما تقولون في الكتاب؟ فقالوا ... هو نور على الصواب دليل
وكذا سنة الرسول وقد أفلح ... من قال ما يقول الرسول
واتفاق الجميع أصل وما ... ينكر هذا وذا وذاك العقول
وكذا الحكم بالقياس فقلنا ... من جميل الرجال يأتي الجميل
فتعالوا نرد من كل قول ... ما نفي الأصل أو نفته الأصول
فأجابوا فنوظروا فإذا ... العلم لديهم هو اليسير القليل
فعليك يا أخي بحفظ الأصول والعناية بها، واعلم أن من عني بحفظ السنن والأحكام المنصوصة في القرآن، ونظر في أقاويل الفقهاء فجعله عو نا له وعلى اجتهاده، ومفتاحا لطرائق النظر، وتفسير الجمل المحملة للمعاني، ولم يقلد أحدا منهم تقليد السنن التي يجب الانقياد إليها على كل حال دون نظر، ولم يرح نفسه مما أخذ العلماء به أنفسهم من حفظ السنن وتدبرها، واقتدائهم في البحث والتفهم والنظر، وشكر لهم سعيهم فيما أفادوا ونبهوا عليه، وحمدهم على صوابهم الذي هو أكثر أقوالهم، ولم يبرئهم من الزلل كما لم يبرؤوا أنفسهم منه فهذا هو الطالب المتمسك بما عليه السلف الصالح، وهو المصيب لحظة، والمعاين لرشده، والمتبع سنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم وهدي صحابته - رضي اللّه عنهم - وعمن اتبع بإحسان آثارهم، ومن أعفى نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السنن برأيه، ورام أن يردّها إلى مبلغ

الصفحة 461