كتاب جامع بيان العلم وفضله - ت السعدني ط العلمية

صفوان بن صالح، نا الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي يقول: كان هذا العلم شيئا شريفا إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه، فلما صار في الكتب ذهب نوره، وصار إلى غير أهله.
وذكر الحسن بن علي الحلواني، نا عبد اللّه بن صالح، نا الليث، عن يحيى بن سعيد قال: أدركت الناس يهابون الحديث حتى كان الآن حديثا، قال: ولو كنا نكتب لكتبت من علم سعيد وروايته شيئا كثيرا.
وذكر الحلواني قال: نا رحيم، نا الوليد بن مسلم، عن عطاء بن مسلم، عن عمرو بن قيس، عن إبراهيم قال: لا تكتبوا فتتكلوا.
قال الحلواني: ونا يحيى بن آدم، نا أبو شهاب، نا الحسن بن عمرو، عن الفضيل بن عمرو قال: قلت لإبراهيم: إني أتيتك وقد جمعت المسائل، فإذا رأيتك كأنما تختلس مني وأنت تكره الكتابة. قال: لا عليك، فإنه قل ما طلب إنسان علما إلا آتاه اللّه منه ما يكفيه، وقل ما كتب رجل كتابا إلا اتكل عليه، قال أبو عمر: من كره كتاب العلم إنما كرهه لوجهين:
أحدهما: أن لا يتخذ مع القرآن كتاب يضاهي به. ثانيهما: ولئلا يتكل الكاتب على ما كتب، فلا يحفظ، فيقل الحفظ.
كما قال الخليل رحمه اللّه:
ليس بعلم ما حوى القمطر ... ما العلم إلا ما حواه الصدر
وأنشدني بعض شيوخي لمحمد بن بشير بإسناد لا أحفظه:
أما لو أعي كل ما أسمع ... وأحفظ من ذاك ما أجمع
ولم استفد غير ما قد جمعت ... لقيل هو العالم المقنع
ولكن نفسي إلى كل فن ... من العلم تسمعه تنزع
فلا أنا أحفظ ما قد جمعت ... ولا أنا من جمعه أشبع
ومن يك في علمه هكذا ... يكن دهره القهقري يرجع

الصفحة 96