كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 103@قدر ما يليق بهم إذا فهولاء يجالسون تبركا بهم وتيمنا بروائح احوالهم ، فهم ملحاء المريدين ولهفتهم بهم يتخررون عن كثير مما يخافونه من فتن الزمان وشر أهله ومكائد العدو وبلاء النفوس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليفرق من ظل عمر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه جل جلاله : هم القوم لا يشقى جليسهم.
|وقوله وخالط الحكماء أي داخلهم واختلط بهم ، وكن معهم في كل وقت فإن الحكيم هو المصيب في اقواله ، والمتقن لأفعاله والمحفوظ في أحواله فمن خالطهم وداخلهم اخذ محاسن اخلاقهم ، وانتفع بإصابتهم في اقوالهم ، وتهذب بهم في مختلف أحوالهم.
|وقوله : سائل العلماء تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على أحكام الأمور ، وإصلاحها فيما بينك وبين الله تعالى ، وفيما بينك وبين خلق الله تعالى ، كأنه يقول : قدم العلم على العمل لتكون اعمالك على تقدمه العلم بها فتصح.
|وقوله : سائل العلماء لم يجعل له وقتا دون وقت كأنه يقول : كن أبدا عالم سائلا ومتعلما ، والعلماء إذا اطلقوا فهم الفقهاء لأن العلم إذا أطلق أريد به علم الفقه الذي هو علم الاحكام ، ومعرفة الحلال والحرام ، وأما سائر العلوم فإنها مقيد يقال : علم الكلام ، وعلم القرآن ، وعلم الحديث ، وعلم اللغة ، وكذلك جميع العلوم ، فإنها تقيد بذكر يخصه به ، وكذلك العلماء إذا أطلق كان المفهوم به الفقهاء ، فأما سائر العلماء سائر العلوم ، فإنما يقال هذا قول المتكلمين ، وقال فيه المفسرون : وكذا يقول اللغويون ، وقال النحويون : وبه قرأ في القرآن ، ينسب أهل كل نوع من العلم إلى ما ينتحله ، فالعلماء اسم يختص به الفقهاء عند الإطلاق.
|فيجوز أن يكون قوله سائل العلماء أراد به ما قلناه من علم الاحكام ، فإن البلوى به اكثر ، والحاجة إليه آمن ، والله أعلم.

الصفحة 103