كتاب معاني الأخبار للكلاباذي
@ 121@يتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، فهو فرد وتر واحد أحد لا يوصف بما يوصف به خلقه بوجه من الوجوه من جهة الفردية ، والوترية ، والوحدانية ، والاحدية ، فهو واحد متوحد ، فرد منفرد ، واحد متحد ، فيجوز أن يكون معنى قوله : إن الله تعالى وتر يحب الوتر أي : هو فرد واحد يحب من عباده كل فرد لا يزدوج بالمحدثات بمعنى السكون إليها ، والتشبث بها والاعتناق لها ، والعكوف عليها ، بل ينفرد عن الخلق فلا يسكن إليهم في معنى الضر والنفع ، وعن الدنيا فلا يميل إليها ، وعن حظوظ نفسه فلا يشغله عن واجب حق الله تعالى ، والله تعالى عز وجل أيضا وتر ، أي : فرد تفرد بخلق عباده ولم يكن له معين ولا ظهير ، وتفرد بهداية من هداه من غير شفيع ، ولا وزير ، وأنعم على المؤمنين بما لو عدوها لم يحصوها ، تفرد بكل ذلك وحده من غير علة فيجب من عباده كل وتر أي متفرد بعبادته له مقبل بكليته عليه قاصد بنيته وحده ناظر في جمع أحواله إليه مكتف عن جميع خلقه به لا يعرج في سره إليه عن شيء من الأشياء ولا يوافق حالا من الأحوال ولا يكون الدنيا منه على بال فيكون وترا لوتر وفردا لفرد.
|وقوله صلى الله عليه وسلم : فأوتروا يا أهل القرآن يجوز أن يستدل خطر به على إيجاب الوتر ، كأنه يقول من كان أهل القرآن تلاوة له وإيمانا به فليوتر ، فأوجب الوتر كإيجاب قراءة القرآن ، ويجوز أن يكون معناه أفردوا الأعمال لله عز وجل ولا تشيبوها برياء ولا سمعة ، ولا تخلطوها بإرادة دنيا ولا همة حظ نفس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
الصفحة 121
392