كتاب معاني الأخبار للكلاباذي
@ 127@حرث ولا زرع ولا تكلف ، فأما التحرز لدفع المضار والمكاره ، وحفظ الحظوظ ونيلها فإنها ماذون فيها غير مدعو إليها إلا ما كان فيها منفعة للاغيار وصوتا للدين الوطني ، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة السابقين قال : هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ، ولا يكوون ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون.
|وقد رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم المعاوذ ، وكوى سعد بن الربيع غير انه قال : لا تلومن في أبي امامة ، يعني سعد بن الربيع فكوا ، يعني لأعزرن فيه ، فأخبر أن التوكل رفض هذه الاسباب ، لأن الرقي والكي إنما يستعملان رجاء العافية ، والمتوكل لا يبالي بالمرض والصحة ، وإنما يختار ما يكون ما لا يريد ويكون سكونه إلى ما سبق له من الله عز وجل من صحة أو مرض أو نيل أو فوات ، فإنها الأسباب التي جاء الترغيب فيها من المكاسب ، والحرف ، والتجارات فعلى شرط التعاون نصح ، والمتوكل يفعل هذه كلها لا يجتر بها نفعا إلى نفسه لكن لينفع الاغيار ، ويصون به عرضه ودينه.
|وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من طلب الدنيا حلالا استعفافا عن المسألة ، وسعيا على عياله ، وتعطفا على جاره ، لقي الله تعالى وجهه كالقمر ليلة البدر ، ومن طلبها حلالا مكاثرا مفاخرا ، لقي الله تعالى وهو عليه غضبان.
|فقد أخبر أن تناول الأسباب لصون الدين ، والعرض ، ونفع الغير ، فأما ما يتحرز به من الأفات فهو غير معول إليها إلا انه مأذون فيها إلا ما يتحرز به من آفات الأغيار.
الصفحة 127
392