كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 128@وقوله صلى الله عليه وسلم قيد وتوكل إنما قال له ذلك لأنه كان يريد التوكل لأن لا تفوته فائتة ، وكان توكله لتحرز من الآفة لا سكون إلى المقدر فاحتاط له النبي صلى الله عليه وسلم والتحرر ، فقال : قيد لتبلى العذر في التحرز ، وتوكل لئلا تؤتى إن أتيت من جهة الخلاف وهو أن ترو إلى فعلك وتحرزك فيكون قد احكمت من الوجهين جميعا ، وكذا الواجب على كل مستشار أن يحتاط إلى المستشير ، ويدل على احكم الامور ، وأوثق الاسباب ، وأبعدها عن مواضع التلف ، لأن المستشير طالب للأرفق به مؤثرا له خائف من ضده لم يستكمل قوة التوكل والسكون إلى ما قدر له فهو كالمضطرب فيه.
|الا يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك : ابق عليك بعض مالك ، وقال لبلال : أنفق بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالا ، وقال له فيما خبأه له شيئا : أما تخشى أن يخسف به في نار جهنم ، وكان خبأ له شيئا من تحر لأنه صلى الله عليه وسلم كان مستكمل التوكل ساكنا إلى ما له عند الله عز وجل غير مضطرب فيه ، ولا ملتفت إلى نفسه ، بل كان نظره إلى ما يريد الله به سواء كان فيه رفقه أو غيره.
|وعلم من كعب بن مالك ميلا إلى رفقه وإيثارا لحظه ، فقال له : أبق بعض مالك لئلاء يضطرب سره ، وكذلك عمرو بن أمية حين قال : أقيد وأتوكل ، كأنه قال : يا أيها احتاط لنفسي بالقيد أو بالتوكل ، فقال : بكلا الأمرين ليتم سكونك ، ولا يضطرب سرك.

الصفحة 128