@ 182@وقوله : لا يرد القدر إلا الدعاء يجوز أن يكون القدر سبق بالدعاء كما سبق بالقدر فيصرف المكروه المقدور بالدعاء المقدور ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وسئل أرأيت رقى نسترقها ودواء نتداوي هل يرد من قدر الله تعالى فقال : إنه من قدر الله ، هذا إذا كان القدر سبق بأن يرد المكروه من القدر بالدعاء ، وإن كان المكروه مقدورا أن يصيبه ويقع به فإن الدعاء يزيل تسخط ذلك المكروه ، ويكون الرضا به مقدورا كما كان المكروه مقدورا ، والمقدور إنما يكون مكروها لأنه مؤلم مسخوط شديد التحمل ، فإذا زال التسخط صار المكروه محبوبا فكان المكروه المقدور المؤلم قد صرف عنه ، وجرى عليه مقدور محبوب ملذ كالإنسان يسقى دواء فيتكرهه لمرارته وبشاعته فيذوقه ، فلا يجد له مرارة ، ولا بشاعة فيتلذذه ، وإنما يصير المكروه محبوبا بالدعاء لأن الدعاء تقرب إلى الله تعالى من قربة الله إليه قال صلى الله عليه وسلم : من أذن له بالدعاء لا يحرم الإجابة فالداعي مقرب فالمقرب مشاهد ، أما أن شاهد عاقبة المكروه بالثواب الموعود فيه في الاجل ، والمصروف عنه به من المكروه ما هو اشد منه في العاجل ، أو بشهود المقدر له.
|وقوله صلى الله عليه وسلم : لا يزيد في العمر إلا البر يجوز أن يكون البر مقدورا للعبد أن يأتيه ويكون زيادة العمر مقدورا بالبر المقدور ، ولو لم يكن البر مقدورا لم يكن زيادة العمر مقدورا ، ويجوز أن يكون زيادة العمر حسن الحال في مدة الحيوة والاجل الموقت الذي لا يتأخر ولا يتقدم ، وطيب الحيوة في مدة الأجل كما قال الله تعالى : {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى} الآية [النحل : 97] وطيب الحياة بالارتفاق في معايشة ، واكتساب الطاعة لمعاده ، والبر هو الطاعة لله تعالى فيما امر ، والانتهاء عما زجر ، والرضا بما حكم وقدر ، قال الله تعالى : {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} الآية إلى قوله : {وأولئك هم المتقون} [البقرة : 177] فالتقصير من العمر واليسير من المدة ، وإذا حصل مع الطاعة لله تعالى في أمر الدين والرفق في المعاش من الكفاية في المؤنة وصون الوجه ، وكان العبد محمولا في المكان ميسرا له اليسرى معروفا عن العسرى صار التقصير من العمر طويلا . ويجوز أن يكون المراد بالبر بر الولد بوالديه ، وبر الرجل ولده ، وقرابته وجيرانه ومن يعاشرهم ، فمن حسنت عشرته خلق الله طابت حياته وفائدة العمر طيب الحيوة ، والله أعلم.