@ 193@قال الشيخ رحمه الله : هذا تشجيع من النبي صلى الله عليه وسلم للعبد فيما يهوله وتسهيل عنه فيما يعبر عليه وإزالة خلق السوء بالله عز وجل عن العبد وتكذيب للشيطان فيما يعد العبد من الفقر في الإنفاق والصدقة ، فقوله : ما نقصت أحدا صدقة من مال يجوز أن يكون معناه أن يراد بالصدقة الزكاة المفروضة ، فإخراج الزكاة لا ينقص من مال العبد شيئا لأنه إذا حال الحول على مائتي درهم في يده وجب حق المساكين في خمسة منه ، فكان ماله الذي يجوز له التصرف فيه ، ويطيب له إمساكه عنده مائة وخمسا وتسعين درهما ، لأن الخمسة منها حق المساكين فإخراج الخمسة لا ينقص من المال الذي هو نصيبه من المائتين وهو المائة والخمسة والتسعون ، والذي أخرج كأنه لم يكن ماله وإنما كان مال المساكين في يده فإخراجه إليهم ورده عليهم لم يكن ناقصا له من ماله شيئا.
|ويجوز أن يكون معناه أن الله تعالى يخلف عليه مما انفق وتصدق عنه بما هو خير منه واكثر وأطيب ، قال الله عز وجل : {وما انفقتم من شيء فهو يخلفه} [سبأ : 39] ويجوز أن يبارك له في الباقي فينوب الباقي عنده منابه ومناب ما انفقه وتصدق به ، فهو يخلفه وأضعافه ، فإنه خرج عن هذه الوجوه فقد حصل له عند الله ما أنفقه فهو له عنده مدخر فكأنه احرزه واستوثق في الحفظ له ، والصون مما يفنيه ويذهبه ، قال عز وجل : {ما عندكم ينفذ وما عند الله باق} [النحل : 96] إذا فالناقص ما ينفذ ويفنى لا ما يصان فيبقى ، والعفو هو التجاوز عن المسيء إليك والجاني عليك ، فسبق إلى وهم الإنسان أن ترك الانتقام ممن اساء إليه وعقوبة من جني عليه ذل وعجز ، وهوان يلحقه وليس كذلك ، بل الله تعالى يزيده بذلك عزا بأن ينتقم له من المسيء إليه ، فينتصر له من الجاني عليه ، ومن كان عز وجل منتقما له ، ومنتصرا مما جنى عليه فهو العزيز الذي لا اعز منه ، فإن فعل الله ذلك به في الدنيا فقد زاده عزا ، وهو اعز من اعتزازه في نفسه بالانتقام والعقوبة ، وإن آخر ذلك إلى الآخرة فاقتص له من حسنات الظالم له وطرح سيئاته على الجاني عليه ذل الظالم ذلا ، لا ذل مثله فيكون مثل الذر يطأ أهل المحشر ، ويطرح الظالم بدله من النار ، أو يستوهب الله منه جناية الجاني عليه وظلم الظالم له ، فأي عز يبلغ عز من يستوهب منه مالك الملوك ، وسيد السادات ، والحي القيوم ، ثم يعوضه علي ما جني عليه ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ومن تواضع لله في الدنيا رقا وعبودة في أئتمار أمره |