كتاب بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي

الصَّاغِرِينَ} . وَأَمَّا النِّسْوَةُ فَغَبِنَّ عَنْ حُظُوظِ الْغَيْرَةِ، وَآلْامِهِنَّ، حَتَّى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، وَلَمْ يَحْسُسْنَ بِالْأَلَمِ، وَزُلَيْخَا لَمَّا تَمَكَّنَ الْحُبُّ مِنْهَا قَالَتْ {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف: 51] ، أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا وَشَهِدَتْ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ، هَذَا يُظْهِرُ دَلِيلًا أَنَّ مَحَبَّةَ النِّعْمَةِ مَحَبَّةُ لَذَّةٍ وَمُطَالَبَةُ حُظُوظِ النَّفْسِ، فَإِنْ حَمَلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ كَانَ أَمْرًا مَعْلُولًا، وَالْمَحَبَّةُ نِهَايَةُ الْأَحْوَالِ الْمَعْلُولَاتِ، الَّذِينَ جَازُوا كَثِيرًا مِنْهَا، فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَا يُخَاطَبُونَ بِالْمَعْلُولِ مِنَ الْأَمْرِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَتْ رَابِعَةُ، أَوْ غَيْرُهَا: وَاللَّهِ لَوْ قَطَّعْتَنِي بِالْبِلَادِ إِرْبًا إِرْبًا مَا ازْدَدْتُ لَكَ إِلَّا حُبًّا، فَمِثْلُ هَذَا لَا يَحْمِلُ عَلَى الْمَحَبَّةِ رُؤْيَةَ النِّعَمِ الَّتِي هِيَ حُظُوظِ النَّفْسِ، وَنَحْمِلُ أَيْضًا مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا حُمِلَ عَلَى مَا قُلْنَا تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى مَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. . . . أَوْصَافهمْ مُعْرِضِينَ كَمَا نَبَّهَهَمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17] . وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي» ، أَيْ إِنَّمَا تُحِبُّونَهُمْ لِأَنِّي أَحْبَبْتُهُمْ، وَأَحْبَبْتُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَبَّهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا أَنْ تُحِبُّونهُمْ فَيَكُونُ تَصْدِيقًا لِحُبِّهِمِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْحَبِّ لَهُمْ إِيثَارَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ
§حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحَارِثِيُّ الْخَلْوَتِيُّ الْجَيْدَمُونِيُّ، قَالَ: ح عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: ح الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: ح زِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ حُبُّ ذِكْرِ اللَّهِ، وَعَلَامَةُ بُغْضِ اللَّهِ بُغْضُ ذِكْرِ اللَّهِ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ: عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ عَبْدَهُ ذِكْرُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا ذَكَرَهُ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهُ عَبْدًا حَبَّبَ إِلَيْهِ ذِكْرَهُ، فَيَذْكُرُ الْعَبْدُ رَبَّهُ لِذِكْرِ رَبِّهِ لَهُ، كَمَا أَحَبَّ رَبَّهُ لِحُبِّ رَبِّهِ لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذِكْرُ اللَّهِ عَبْدَهُ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ اللَّهَ، لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ يَسَّرَ مِنَ الْعَبْدِ ذِكْرَهُ لِلَّهِ، إِذْ عِلَّةُ كُلِّ -[23]- شَيْءٍ صُنْعُهُ وَلَا عِلَّةُ مَا يَصْنَعُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا أَحَبَّ مِنْهُ ذِكْرَهُ لَهُ

الصفحة 22