كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 283@قال الشيخ الإمام الزاهد رحمه الله : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عما لم يكن ، أن لو كان كيف كان ، كما أخبر الله تعالى عما لا يكون أن لو كان كيف كان ، بقوله : {ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه وإنهم لكاذبون} [الأنعام : 28] بقولهم : {ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} [المؤمنون : 107] ففيه إنابة كذبهم وعتوهم على الله عز وجل ، وان كفرهم وتركهم الإيمان بالله ورسوله كان عنادا ، وجحودا على بصيرة بمواضع الحق ، وبينات من الهوى لا لشبهة عرضت.
|فكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كان بعدي نبي لكان عمر رضي الله عنه فيه إنابة على الفضل الذي جعل الله في عمر رضي الله عنه والأوصاف التي تكون في الأنبياء ، والنعوت التي تكون في المرسلين . فاخبر أن في عمر رضي الله عنه أوصافا من أوصاف الأنبياء ، وخصالا من الخصال التي تكون في المرسلين ، مقرب حاله من حال الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم ركبا اتوه فقال : حكماء علماء كادوا أن يكونوا من الفقه انبياء.
|ويجوز أن يكون فيه معنى آخر ، وهو إخبار أن النبوة ليست باستحقاق ولا بعلة تكون في العبد يستحق بها النبوة ويستوجب الرسالة ، بل هو اختيار من الله تعالى واصطفاء ، قال الله تعالى : {ولكن الله يجتني من رسله من يشاء} [آل عمران : 179] وقال الله تعالى : {الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس} [الحج : 75] ، وقال تعالى : {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك} [الزخرف : 31 32] فكأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى أوصاف الرسل والأنبياء عليهم السلام 0 وان عمر رضي الله عنه جمع منها كثيرا ، لو كانت الأوصاف موجبة للرسل لكان عمر بعدي رسولا . ومما يدل على ذلك أن خاصة الأوصاف التي كانت في عمر التي تفرد بها عن غيره ، قوته في دينه وبدنه وستره ، وقيامه بإظهار دين الله وإعراضه عن الدنيا ، وانه كان سببا لظهور الحق واعزاز الدين ، وفرقان الحق والباطل ، وبذلك سمي الفاروق.

الصفحة 283