@ 290@يحرمه ، ويتعالى عن أن يرده ، وإن كان العبد لا يستوجب العطاء ، ولا يستأهل العفو ، وكان جل وعز ساخطا عليه غير راض عنه ، فهو تعالى يتفضل من عنده فيعطي من يستوجب الحرمان ، ويعفو عن من العقوبة كرما منه وتفضلا ، لأنه جل وعز لا يرضى حرمان عبده وقد مد إليه يده سائلا منه مفتقرا إليه متعرضا بفضله مما لا ينقصه ولا يؤده ، ويعفو بمن يستوجب العقوبة وهو غير راض عنه ، ولا قابل منه ، وهو يفعل ذلك عمن تجل عنده قدره ويعظم لديه خطره ، وهو المؤمن به المصدق له المقر له بالوحدانية ، المذعن له بالعبودية ، وإن كان يأتي من العصيان ما يستوجب به العقوبة ، ومن الفعل ما يستحق به الحرمان فهو جل وعز يجل قدر عبده المؤمن أن يرد يديه صفرا خائبتين وقد رفعهما إليه ، وهو جل وعز قد يعطي الكافر به ، والجاحد له والمشرك معه غيره بعض ما يسأله كرما منه وفضلا ، ويؤخر عقوبته ، ولا يعاجله بها إذا رفع إليه يديه ، وهو ساخط عليه مبغض له معرض عنه ، استدراجا له وإرادة السوء به ، ولا لإجلاله ، ولا لقدره عنده وكرامته عليه بل لأنه جواد كريم متفضل حليم ، قال الله تعالى : {ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون} [النحل : 53 54] ، ومثله كثير.
|فإذا كان الله تعالى لا يرد يد من يرفعها إليه صفرا ، وهو له عاص ولأمره تارك ، وعن أداء حقوقه معرض فما ظنك بمن يرفع إليه يديه مفتقرا إليه متذللا له معتذرا إليه مقبلا عليه يسأله سؤال المضطرين ، ويدعوه دعاء الغريق ، ويتضرع لعفوه تعرض من لا يستأهل لنفسه حالا لنفسه حالا ، ولا يرى لنفسه لا يرجو إلا فضله ، ولا يعتمد إلا علي كرمه سبحان الكريم ذي الفضل العظيم.
|فمعنى الحياء من الله تعالى التكثر في الإعطاء من يستوجب الحرمان عند سؤاله منه ورفع يديه نحوه ، وترفعه وتعاليه تعالى عن حرمانه مما لا ينقصه عن عقوبته من يستوجبها ، وقد تعرض لعفوه وامتناعه عن العقوبة والحرمان . والله أعلم.