@ 295@قاهر لا يؤوده شيء ، ولا يمتنع عليه شيء فهو تعالى يبقيهم ، ويثبتهم ويقويهم للنظر إليه ، ويستولى لذة النظر عليهم ، فينسيهم كل نعيم كانوا فيه لأنهم كانوا لذلك منتظرين ، وإلى ذلك متطلعين ، وإليه كانوا مشتاقين ، وللجنة لاجله طالبين ، لأنهم بذلك كانوا مبشرين ، ولذلك كانوا موعودين بقوله جل وعز {وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين} [الزخرف : 71] ، وقوله عز وجل : {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة : 22 23] ، وقوله عز وجل : {للذين احسنوا الحسنى وزيادة} [يونس : 26] فإذا كان ذلك بغيتهم وكانت تلك طلبتهم وذلك كان في الجنة مرادهم فإذا اعطوا ذلك لهوا عما سواه معرضين ونسوا ذلك كله اجمعين ، وشغلوا بما تلذ اعينهم مما يشتهي نفوسهم محجوبين ، فلا صفة لهم عند ذلك غير انهم إليه ناظرون وله شاهدون ، ولكلامه سامعون ولديه مقربون ، سبحان من تفضل على عباده المؤمنين وأوليائه المنتخبين بما لم يكن يبلغه همهم ، ولا تصل إليه اوهامهم ، فأكرمهم بما لم يخطر على القلوب ولا يدركه العقول فضلا منه ورحمة إنه ذو فضل عظيم.
|ومعنى قوله : حتى يحتجب عنهم يجوز أن يكون معناه حتى يردهم إلى نعيم الجنة الذي نسوه إلى حظوظ أنفسهم وشهواتها التي سهوا عنها فانتفعوا بنعيم الجنة التي وعدوه ، وتنعموا بشهوات النفوس التي اعدت لهم ، وليس ذلك إن شاء الله تعالى على معنى الاحتجاب عنهم ، لأنه تعالى لا يحجبه شيء ، وإنما يحجبهم عن نفسه برده إياهم إلى نعيم الأبدان وشهوة النفوس.
|وليس معنى يحجبهم عنه أن يكونوا له ناسين ، وعن شهوده محجوبين ، وإلى نعيم الجنة ساكنين ، وكيف يحجبهم عنه وهم بنعت المزيد ، ودار الكرامة ، ومحل القرب والحجبة بعد الشهود سلب النعيم ، وهو تعالى لا يسلبهم نعيما تفضل به عليهم ولكنه تعالى يردهم إلى ما نسوه ، ولا يحجبهم عما شاهدوه حجبه عينيه واستتار.
|يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : بقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم والنظر إذا صح والحجبة إذا ارتفعت ، والوصلة إذا تمت لم يكن بين نظر المبصر وشهود السر فرق ، ولا كان في حال الشهود والغيبة بون ، بل يتفق الأوقات الأوقات ، ويتساوى الأحوال فيكون في كل حال شاهدا ، وبكل جارحة ناظرا ، ولا يكون في حال محجوبا ولا بالغيبة موصوفا.