كتاب بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي

§حَدِيثٌ آخَرُ
- ح حَاتِمٌ قَالَ: ح يَحْيَى قَالَ: ح يَحْيَى قَالَ: ح أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَاصَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّاسَ، فَوَاصَلُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَاهُمْ وَقَالَ: «§إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِيَنِي»
وَحَدَّثَنَاهُ حَاتِمٌ قَالَ: ح يَحْيَى قَالَ: ح يَحْيَى، قَالَ ح ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي، إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِيَنِي، فَتَكَلَّفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الظُّلُولُ وَالْبَيْتُوتَةُ يُعَبِّرَانِ عَنِ الزَّمَانِ كُلِّهِ وَيُخْبِرَانِ بِالدَّوَامِ، وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عِنْدَ رَبِّهِ جَمِيعَ نَهَارِهِ وَكُلَّ لَيْلِهِ، فَكَانَ يَقُولُ: «أَنَا عِنْدَ رَبِّي أَبَدًا، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ لَا يَسْتَحْسِرُ وَلَا يَفْتُرُ» ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِي مَعَ اللَّهِ وَقْتٌ لَا يَسَعُنِي فِيهِ غَيْرُهُ» مَعْنَاهُ: وَقْتِي كُلُّهُ مَعَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي وَأَبِيتُ» ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَغْيَارِ إِلَيْهِ طَرِيقٌ، وَلَا لِلْخَلْقِ بِمَعْنَى الْإِشْرَافِ نَظَرٌ وَتَحْدِيقٌ، فَإِنَّمَا رَبَطَ الْخَلْقَ بِظَاهِرِهِ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ آدَابَ الشَّرِيعَةِ وَأَوْصَافَ الْعُبُودِيَّةِ بِمَوَافَقَةِ الْجِنْسِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْخَلْقِ الْأَخْذُ -[336]- عَنِ الْوَسَايِطِ الَّذِينَ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الفرقان: 20] . أَخْبَرَ أَنَّ ظَوَاهِرَ الْأَنْبِيَاءِ بِأَوْصَافِ الْبَشَرِيَّةِ وَبِنْيَتَهُمْ بِنْيَةُ الْبَشَرِيَّةِ، تَعْتَرِيهَا حَوَادِثُ نُعُوتِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَيَتَطَرَّقُهَا آفَاتُ الْحَدَثِ، وَمقَايقهم الَّتِي هِيَ بَوَاطِنُهُمُ مَحْمُولَةٌ بِالِاسْتِظْهَارِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَأَوْصَافِ الْحَقِّ، فَلَا يَقْدَحُ فِيهَا عَجْزُ الْبَشَرِيَّةِ، وَضَعْفُ الْإِنْسَانِيَّةِ، فَهِيَ مَحْمُولَةٌ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهَا مِنَ الْحَقِّ جَلَّ اسْمُهُ عَنْ طُرُوقِهِ عَلَيْهَا، وَمَعْصُومَةٌ عَنْ تَأْثِيرِ أَوْصَافِ الْحَدَثِ فِيهَا مِنْ ضِعْفٍ وَجُوعٍ، وَعَطَشٍ أَوْ فُتُورِ سَهَرٍ أَوْ حَجَبَةٍ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: «لَا يَنَامُ قَلْبِي وَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ» ، لِنَعْلَمَ أَنَّ حَقِيقَتَهُ قَائِمَةٌ بِأَوْصَافِ الْحَقِّ لِلْحَقِّ، وَظَاهِرُهُ عَلَى صِفَةِ الْبَشَرِيَّةِ لِلْخَلْقِ، فَكُلُّ صِفَةٍ ظَهَرَتْ فِي نَبِيِّهِ وَظَاهِرِ نَعْتِهِ جَرَتْ عَلَى إِنْسَانِيَّتِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَخْشَى النَّاسَ} [الأحزاب: 37] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ} [التوبة: 43] . وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌّ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ» وَرَبْطُهُ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ، وَسَهْوُهُ فِي صَلَاتِهِ، وَسَائِرُ أَحْوَالِهِ الَّتِي شَبَهَ ذَلِكَ مِنْهُ حَظَّ الْأَغْيَارِ مِنْهُ وَنَصِيبَ الْخَلْقِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَ التَّأْدِيبِ فِعْلًا وَقَوْلًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] . فَأَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى أَفْعَالَهُ وَأَقْوَالَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَجَعَلَ أَخْلَاقَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَافَهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، وَقَالَ {إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ يَرْضَى بِرِضَاهُ وَيَسْخَطُ بِسَخَطِهِ» . يُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب: 37] . أَخْبَرَ أَنَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ يُصِيبُ الْخَلْقَ، وَقُدْوَةُ الْأُمَّةِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُذَيْفَةَ حِينَ شَكَا إِلَيْهِ ذَرَبَ لِسَانِهِ: «أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ»

الصفحة 335