كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 338@قال الشيخ الإمام الزاهد رحمه الله : حد الكذب ما كان مخبره بخلاف خبره ، وقول إبراهيم صلوات الله عليه : إني سقيم يحتمل أن يكون عبارة عن حاله قبل بيان ما ظهر له في الشمس والقمر والكوكب ، فإنه نظر إليها مستدلا والمستدل بين أمرين حتى يقع استدلاله على ما استدل به عليه ، فكان صلوات الله عليه في تلك الحالة يتردد بينما يدعيه قومه وبينما عرفه بفطرته ، فكان يتبين تحقيق ما عرفه بالفطرة من جهة دليل العقل ولم يكن في شك من معرفة الله بالوحدانية ، وأنه لا شريك له ، وإنما كان يطلب دليل المحاجة لقومه ، وإزالة عوارض الشكوك التي تهجس في الخواطر ، ولم يكن وقع له ذلك فعبر عن ضعفه في استدلاله بالسقم ، وقد يقال للعلة إذا لم تطرد في معلولاتها هذه علي سقيمة أي ضعيفة ، وقد قال الله تعالى في صفة قوم شكوا فيما آتاهم به النبي صلى الله عليه وسلم : {في قلوبهم مرض} [البقرة : 10] قيل : الشك ، والشك ضعف ، فكان ضعف هؤلاء من جهة الشك ، وضعف إبراهيم من طريق المحاجة فآتاه الله دلائل المحاجة بالكوكب والشمس والقمر بما نص الله من قوله : {لا احب الآفلين} [الأنعام : 76] وقوله : {لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} [الأنعام : 77].
|فلما تمت الحجة له في افول الشمس وآثار الحدث فيها ، واستحكمت الدلالة على حدوث ما دون الله ، وعلى قدم الباري عز وجل وتعاليه من أوصاف الحدوث بقوله : {يا قوم إني برئ مما تشركون} [الأنعام : 78] ، {وإني وجهت وجهي} الآية [الأنعام : 79] ناداهم بالخلاف لهم لما استحكمت له دلائل العقل ، وآلة الحجاج فعندها قال : {آتحاجوني في الله وقد هدان} [الأنعام : 80] ، وقال : {إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر} [البقرة : 258] فحاجوه في فحجتهم فهذا قوله : {إني سقيم} [الصافات : 89].
|وقوله : بل فعله كبيرهم علق فعل كبيرهم بكون النطق منه كأنه يقول : إن كان كبيرهم ينطق ، وهذه الاصنام ينطقون فهو فعل كبيرهم ، فهذا على التبكيت لقوله إن الذي لا امتناع له عن كره ، ولا نطق فيه بالإخبار عمن فعل به كيف يكون إلها يعبد وربا يرجى ؟ فقالوا : إن كانوا ينطقون فهو فعل كبيرهم ، وهذا صدق من إبراهيم صلوات الله عليه ، لأن مخبره لم يكن بخلاف خبره ، لأن الأصنام لم يكونوا ينطقون.

الصفحة 338