كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 35@قال في الحديث : لا تدعوني لشيء إلا استجبت لك ، كما قال الله تعالى : {ادعوني أستجب لكم} [غافر : 60] . وقال بعض علماء اللغة : الإجابة نوعان ، قد يكون بالمراد وقد لا يكون ، والاستجابة ليس إلا إجابة عن المراد فقد صح قول أصحاب المعاني أن هذه السين تقوم مقام القسم والله عز وجل لا يخلف الميعاد فما ظنك إذا أكد بالقسم ، وفي بعض الروايات : أن الله أوحى إلى داود عليه السلام أن قل لظلمة بني إسرائيل : لا تدعوني فأني أليت على نفسي أن لا يدعوني أحد إلا أجبته ، وأنهم إن دعوني أجبتهم باللعنة هذا معنى الرواية والله أعلم بلفظه ، فقد أخبر أنه يجيب من دعاه وكفى به شرفا أن تدعوه فيجيبك ، فأما السؤال فقد شرط الاختيار لك كما قال : إما أن أعجل لك أو أدخر أو أدفع عنك فحسبك شرفا أن يختار لك مولاك عز وجل ، ولأن تمنع ما سألت أعظم وأشرف لأنه قال : أو أدخر لك عندي هاه لو علمت قوله عندي لهان عليك إن يسلخ جلدك وأنت حي ، فكيف بما صرف عنك ، وأما قوله : {ما يسأل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العفو والعافية في الدنيا} أما العفو : فإن يختصك لنفسه ويسرك عن غيره ، فيعفى على أثرك فلا يفطن بك ولا يعرف مذهبك ، فيفوت عدوك إن أرادك وسائر الخلق أن يفتنوك ، ونفسك أن يطالبك بحظوظها . والعافية أن يعصمك عما سواه فلا يكون لك إلى غيره رجوع ولا إلى سواه نظر.
|قال الشيخ الإمام المصنف رحمه الله : الدعاء مثل قوله : يا الله ، يا رحمن فمن كان مؤمنا دعاه ووصفه كما هو لم يحرم الإجابة ، وهذا معنى قوله : {أدعوني استجب كم} [غافر : 60] وأما الكفار إذا دعوا فلم يصفوه كما وصف نفسه فلا شك أن الإجابة تكون اللعنة ، وللمؤمنين لبيك ، وقوله : اللهم اغفر لي ، لا يكون دعاء ، وإنما هو سؤال ، والسؤال غير الدعاء والله أعلم.

الصفحة 35