كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 381@فالمحب يصم عن الأغيار ، ويعمى عما سرى المحبوب الأبصار ، وقال في ذلك بعض الكبار : % ( أصمني الحب إلا عن تساوده % فمن رأى حب حب يورث الصمما ) % % ( وكف طرفي إلا عن وعايته % والحب يعمي وفيه القتل إن كتما ) % وقيل لقيس المجنون : أتحب ليلى ؟ فقال : لا ، قيل : لم ؟ قال : إن المحبة ذريعة الوصلة ، فإذا وقعت الوصلة سقطت الذريعة ، فأنا ليلى ، وليلى أنا.
|قال الشيخ رحمه الله : وأنا أحكي لك عني عجبا في رؤيا رأيتها ، رأيت فيما يرى النائم امرأة رقيقة ممشوقة عليها ملاحة ، ولها شعر ما رأيت على أمرأة مثله طولا وغلظا وسوادا ، فخيل لي أنها ليلى ، وهي تنشد أشعارا ، فكنت حفظت منها أبياتا ثم أنسيتها ، فقلت لها وعزمت عليها : أخبريني عن قيس ، فقالت . كان عنوان حبي وكنت معناه الذي قام به ، فلم تكن له حال يوصف ، ولا كانت له صفة تعرف . في كلام كثير حفظت منه هذا.
|فإذا كانت هذه أحوال المحب ، فمن أحبه الله تعالى صرفه عن الأشياء إليه ، وأقبل به عليه ، فاحب الله تعالى كما أحبه الله ، قال الله تعالى : {يحبهم ويحبونه} والمحدث لا يطيق تحمل أعباء المحبة لأنها تفنيه ، فإذا أفنته محبة الله عن نفسه أنشأه الله لمحبته له خلقا جديدا فأفاده سمعا بدل سمعه ، وبصرا بدل بصره ، ويدا بدل يده ، وأيدا أقوى من أيده ، فلا يبصر إلا ربه ، ولا يسمع إلا منه ، ولا يبطش إلا له ، ولا يقوى إلا فيه . ألا تراه يقول . يدعونى فاستجب له ، ويستنصحني فأنصح له لأنه لا يعرف له مولا ، ولا وليا إلا إياه ، ولا يرى في الدارين له غيره ، فمن يدعو سواه ومن يجيبه إلا هو ، إذ ليس عنده مجيبا له إلا ربه ، ولا مدعوا إلا محبوبه.
|وقوله : يستنصحني فانصح له لأنه سقطت عنه اختياراته ، وماتت فيه شهواته ، وبطلت منه إرادته ، قد ذهل عن أوصافه ، وشغل في محبة محبوبه عن نعوته ، فهو لا يهتدي إلى مصالح نفسه ، ولا يتخير في أحكام مولاه فوض أمره إليه ، وألقى نفسه بين يديه ، وأقبل بكليته عليه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إكلأني كلائة الوليد ، فهذا استنصاحه له ، فهو تعالى يصرفه في مشيئته ، ويجعله في قبضته ، ويحوطه بعصمته ، ويصرفه في محابه ، فهذا نصحه له.

الصفحة 381