كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 382@وقوله عز وجل : إن من عبادي لمن يريد الباب من العبادة فأصرفه عنه كراهة أن يدخله عجب فيفسده ذلك هذا من نصحت له ، وذلك أنه لا يتصرف في شهوات نفسه ، ولا يشتغل بحظوظها ، وإنما شغله بمولاه ، وتصرفه فيما يرضاه فهو يريد الباب من العبادة تقربا إليه عند غلبة الاشتياق عليه ، وهو حبيب الله ومحبوبه ، والله تعالى محبه ، والمحب يغار على محبوبه أن ينظر إلى غيره ، ويضن به أن يرده إلى سواه فالعبد لغلبة الاشتياق عليه بقصد الباب من العبادة باختياره وإرادته ، فيصرفه الله تعالى عما اختاره إلى ما اختاره له ، لئلا يكون راجعا إلى غيره ، ولا ناظرا إلى نفسه ، أو يرجع إلى اختياره ، وان كان ذلك في طلب مرضاته ، واجتهادا في عبادته له ، لأن العجب هو النظر إلى نفسه بعين الاستحسان ، ومن استحسن شيئا شغل به وسكن إليه فهو تعالى يصرفه عما يسكن إليه ، ويشغله عنه ، ليكون شغله به ، وسكونه إليه.
|وقوله : إن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ، لو أفقرته لأفسده ذلك هذا أيضا من نصيحته له ، وذلك أن الله تعالى إنما أحب المؤمن لإيمانه ، لأنه لما أحبه كتب في قلبه الإيمان ، وحببه إليه ، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان ، فهو عز وجل يصرفه عما يخل بإيمانه ، لئلا يخرج في حبه إياه شيء ، وقد خلق الله عباده على طبائع مختلفة وأوصاف متفاوته ، فمنهم القوي ، ومنهم الضعيف ، ومنهم الرفيق ، ومنهم الكثيف ، ومنهم الوضيع ، ومنهم الشريف . فمن علم الله تعالى من قلبه ضعفا لا يحتمل الفقر أغناه إذ لو أفقره إياه فهو عز وجل يغنيه ، فيقر به بذلك منه ويدنيه ، فيصونه بغناه من أن ينصرف بحاجته إلى سواه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : بادروا بالأعمال خمسا . غنا مطغيا ، وفقرا منسيا ، وهرما مفندا ، ومرضا مفسدا وموتا مجهرا فإذا كان الفقر لبعض الناس منسيا ، صرف الحق عمن عرف ذلك منه الفقر لأنه لا يحب أن ينساه حبيبه ، كما يكره أن ينظر إلى غيره قريبه ، وكذلك من علم أن لا يصلح إيمانه إلا الفقر أفقره ، لأنه تعالى يعلم أن الغنا يطغيه ، وأن الفقر لا ينسيه ، بل يشغل لسانة بذكره ، والثناء عليه ، وقلبه بالتوكل عليه ، والالتجاء إليه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أحب الله عبدا صب عليه البلاء صبا ، وسحه عليه سحا ، فإذا دعاه قالت الملائكة : صوت معروف ، وقال جبريل عليه السلام : يا رب عبدك فلان اقض له حاجته ، فيقول : دعوا عبدي فأني أحب أن أسمع صوته ، فإذا قال :

الصفحة 382