كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 386@هذا وقد استسلم المتعقل لذلك إن كان معتقدا للإيمان ، وانقياده له وجوز ذلك في حكمة الله تعالى ، ولم يحكم فيه عقله ، فكيف لا يجوز طرح السيئات على من لم يكتسبها ، وسلب الحسنات ممن عملها ، ودفعها إلي من لم يعملها ، وهذا أهون مما جوزه ، وأيسر مما استسلم له على أنا نري جواز ذلك في عقل هذا المتعقل فيقول : إن الله عز وجل أوعد على كثير مما نهى عنه بأنواع من الوعيد في الآخرة ، وألوان من العقوبات في الدنيا كالرجم في الزنا بعد الإحصان ، وجلده مائة لمن لم يحصن ، والقطع للسارق وتعزير المختلس والمنتهب ، وغير ذلك من الأحكام والحدود التي أوجبها الله عز وجل في الدنيا ، وما أوعد عليه في الآخرة ، كقوله تعالى في أكل مال اليتيم : {الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا} [النساء : 10] ، وفي أكل الربا : {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة : 275] ، وقال عز وجل في مانع الزكاة : {الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} إلى قوله {فتكوى جباههم وجنوبهم وظهورهم} [التوبة : 34 35] فكما أخبر الله بعقوبات هذه الجنايات كذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعقوبة الظالم للمسلمين بأخذ أموالهم ، وضرب أبشارهم ، وشتم أعراضهم ، أنهم يعاقبون بالعقوبات التي أوعد الله تعالى وأعدها للخطايا التي اكتسبها المظلوم ، فعاقب الظالم بتلك العقوبات فتكون تلك العقوبات بما اكتسب من الظلم الذي نهى الله تعالى عنه ، فيكون ذلك عقابا لفعل اكتسبه كان قد نهي عنه فلم ينته ، فعاقبه بتلك العقوبة ، وأحبط حسناته ، بمعنى أنه لم يثب عليها ، لأن ثوابها استحقت عليه فيكون كمن اكتسب مالا في الدنيا فجمع منه وكانت عليه ديون فأخذ ما جمع أرباب الديون فلم يبق في يديه من ذلك شيء ، كذلك ما اكتسب هذا الظالم من صلاة وصيام وصدقة فاستحق ثوابها على الله تعالى فكانت تحصل له لولا ما جنى من تلك المظالم ، فلما قوبلت حسناته بسيئاته بتلك المظالم ، ولولا حسناته من صلاة وصيام وصدقة لكان يعاقب على مظالمه بما أعد الله للظالمين ، فيكون هذه الحال وهذا الفعل من الله به نوعا من العقوبة التي أعدها الله تعالى للظالمين على ظلمهم ، ولا يكون ذلك كما زعم هذا الزاعم أنه يعاقب بما لم يكتب من الذنب بل عوقب بذنب اكتسبه ، ومعصية عملها ، وكان ثواب حسنات الظالم جزاء للمظلوم فيما أعد الله له ، وثوابا على صبره عندما ظلم ، كما قال الله : {ولمن صبر وغفر إن ذلك |

الصفحة 386