كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 47@فإن قيل : فما معنى إدخالهم النار وهم فيها غير متألمين ؟ قيل : أن يدخلهم النار تأديبا لهم وإن لم يعذبهم فيها ، ويكون صرف نعم الجنة عنهم مدة كونهم فيها عقوبة لهم كالمحبوسين في السجون فإن الحبس عقوبة وإن لم يكن معه غل ولا قيد ، ويجوز أن يكونوا متألمين غير أن آلامهم تكون آخف من آلام المغيبين وهم موتى أخف من عذابهم وهم أحياء ، قال الله تعالى في قصة آل فرعون : {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر : 146] فأخبر أن عذابهم إذا بعثوا يكون أشد من عذابهم وهم موتي وهم في حالة الموت معذبون ، فكذلك الموحدون يميتهم في النار ويكونون معذبين متألمين وهم موتى ، ويكون عذابهم وآلامهم أخف من عذاب الكفار ، على أن قوله : {لا يموت فيها ولا يحيى} في صفة الكفار لأنه قال : {ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا عوت فيها ولا يحيى} [الأعلى : 11 13] والأشقى هو الذي بلغت شقاوته نهايتها ، وهو الذي لا يسعد أبدا ، وهو الذي يخلد فيها ، فأما الموحد وإن شقي بدخوله فيها فإنه يسعد بخروجه منها فهو وإن شقي فليس بالأشقى ، وإذا كان قوله لا يموت فيها ولا يحيى في الكفار خرج الموحدون منها ، فيجوز أن يموتوا ولا يكون ذلك خلافا للآية.
|وإن قيل بأن المخلدين فيها ليسوا بصفة الأحياء ولا الموتى لم يبعد فإن الجماد لا يوصف بالحياة ولا بالموت ، وهم وإن لم يكونوا بأحياء ولا موتى بخلق الله تعالى فيهم الآلام الشديدة ويكونون معذبين أبد الأبد بأشد العذاب ، وتد خلق الله تعالى في الجماد الألم وهو الجذع الذي كان يخطب النبي صلى الله عليه وسلم عنده لما اتخذ له المنبر من حنين الناقة حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتضنه فسكن ، وإنما حن حزنا على مفارقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحزن ألم.
|وخلق الله الكلام في الجماد بقوله : {قالتا أتينا طائعين} [فصلت : 11] فإذا جاز هذا فيما لا يوصف بالموت ولا بالحياة جاز أن يخلق في أهل النار الذين هم الكفار الآلام والعذاب أبد الأبد ، وليسوا بإحياء ولا موتى ، والله أعلم بالصواب.

الصفحة 47