كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 67@منه القوة والقوام بما يصل منه إلى الجوف ، فعمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبعد الأشياء من معاني الفداء به ، فربطه من خارج يريهم أن هذا يقوم له مقام الطعام الذي يصل إلى الأجواف ، فيكون منه القوام ليقطعهم ذلك عن الاعتماد في حال الجوع على الطعام ، ويصرفهم إلى الله تعالى في التقوية بما شاء من طعام أو غيره فيكون اعتمادهم على الله عز وجل درن اعتمادهم على الأسباب ، ويكون هو أول من فعل ذلك ، ويكون ذلك ممن فعله تأسيا به وقدوة ، فيحملهم تركه الإسوة عن الجوع الذي حل بهم ، ولم يأت في الأخبار أن عيون أصحابه فعلوا ذلك لأنهم أدركوا إشارته في ذلك ، فلذلك لم يربطوها على بطونهم.
|ويجوز أن يكون ربط الحجر منه مقابلة أصحابه بما أظهروه من الضعف والعجز والحاجة إلى الطعام ، فقابلهم بمثله من نفسه من ضعف البشرية ، وعجز صفة الإنسانية وأنه يحتاج إلى ما يحتاجون إليه من الطعام على جلالة قدره ، وعلو درجته ، وارتفاع منزلته عند ربه جل جلاله ، كما قال جل جلاله : {وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام} [الأنبياء : 8] ، وقال عز وجل : {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام} [الفرقان : 20] الآية ، ثم لما أظهروا القوة من نفوسهم من الوصال أراهم ضعفهم في أحوالهم ، وعجزهم في نفوسهم ، فنهاهم عنه ، فقالوا : إنك لتواصل ، فقال : لست كأحدكم إن ربي يطعمني ويسقيني ، ثم واصل صلى الله عليه وسلم حتى انسلخ الشهر فقال : لو غم علي الشهر لواصلت ، قال في الحديث كالمنكل لهم حين أظهروا قوة من نفوسهم ، وأعلمهم أنه محمول على ضعف أوصاف البشرية وعجزها بالوارد عليه من ربه عز وجل ، ألا تراه يقول : إني لست كأحدكم ، صلى الله عليه وسلم.

الصفحة 67