كتاب معاني الأخبار للكلاباذي
@ 71@وليس هو بترك الطعام والشراب فقط ، فالصيام جنة تستره وتحول بينه وبين المعاصي ، وهو جنة في الآخرة من النار ، فيجوز أن لا يكون للناس سبيل على الصائم كما أنه لا سبيل لها على مواضع الوضوء من العبد ، لان الصوم يعم جميع البدن ، فلا يكون للنار سبيل فهو له منها جنة ، والله أعلم.
|ومعنى آخر في تخصيص الصوم وهو : أن في الصوم معنى الإعراض عن النفس طلبا لمرضاة الله ، والإعراض عن النفس ترك حظوظها ، وحظوظ النفس هو الطعام والشراب والرفث إلى النساء.
|فمن ترك هذه الأشياء فقد ترك حظوظ النفس وشهواتها ولذاتها ، ومن ترك ذلك فقد أعرض عن نفسه ، ومن أعرض عن نفسه ابتغاء وجه الله لم يبق بينه وبين الله حجاب ، لأن الحجب ثلاثة : الخلق ، والدنيا ، والنفس ، فالخلق والدنيا إنما يحجبان إذا كانا لحظ النفس ، فمن أعرض عن نفسه فقد أعرض عن الدنيا والخلق فحصل الصوم إعراضا . عن النفس ، والإعراض عنها وصول إلى الله.
|فلذلك قال : ( الصوم لي وليس هذا المعنى في شيء من الفرائض غير الصوم والصلاة ، لأن وقت الصلاة وقت يسير ، فهو إذا فرغ منها رجع إلى جميع حظوظه ، ووقت الصوم يمتد لأنه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس . وجملة الشرائع الإسلام ، والذي بني عليه الإسلام خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ..
|وليس معنى الإعراض عن النفس على طول المدة إلا في الصوم ، الدليل على هذا قوله يدع طعامه وشهوته من أجلي ، أخبر أن تركه طعامه وشهوته هو شيء لله لا لغيره ، والله تعالى أعلم.
الصفحة 71
392