كتاب معاني الأخبار للكلاباذي
@ 73@إلى الإيمان والحكمة أكثر منهما إلى غيرهما ؟ لأن أفئدتهم أرق فهي أكثر شهودا للغيب ، لأن الشيء الرقيق أنفذ في خلال الأشياء المانعة ، والحجب الساترة من الشيء الغليظ ، ومن خرق الحجب أدرك الإيمان وحقيقته ، والحكمة التي هي التكلم عن الله عز وجل . ويجوز أن يكون أشار بلين القلب أي خفض الجناح ، ولين الجانب ، والانقياد والاحتمال ، وترك العلو والترفع ، لأن هذه الأفعال إنما تظهر ممن لان قلبه ، وهي أوصاف الظاهر ، وأشار برقة أفئدتهم إلى شفقتهم على الخلق والرحمة لهم ، والرأفة بهم ، والتعطف عليهم ، و النصح لهم ، وأن يحبوا لهم ما يحبون لأنفسهم ، وهذه أوصاف الباطن ، فكأنه أشار إلى أنهم أحسن أخلاقا ظاهرا وباطنا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا.
|فقوله : الإيمان يمان أي أهل اليمن اكمل الناس إيمانا ، وتكون الحكمة من أوصاف من كمل إيمانه ويقينه ، ويجوز أن يكون وصفه لهم بلين القلوب إشارة إلى قبول الحق ، لأن أهل اليمن أجابوا إلى الإسلام بالدعوة دون المحاربة والقتال ، فقبلوا الحق للين قلوبهم ، لأن من قسا قلبه لا يقبل الحق وإن كثرت دلائله وقامت حججه ، وقال الله تعالى : {فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون . ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة} [البقرة : 73 74] أخبر أن من قسا قلبه لا يرجع إلى الحق وإن ظهرت أعلامه ، والآيات إنما يعقلها من كانت صفته ضد صفة القاسية قلوبهم ، ولذلك نسب الإيمان إليهم لأنهم قبلوه من غير عنف ، ونسبهم إلى الحكمة لأن الحكمة هي الإصابة للحق ، فأصابوا الحق فآمنوا للين قلوبهم ومواتاتهم وقبولهم الحق.
|ويجوز أن يكون معنى قوله : أرق أفئدة إشارة إلى توسطهم في مشاهدات القلوب ، ومنازلات الأسرار ، وذلك أنهم قالوا . إن الفؤاد عين القلب ، فكأنه أشار |
الصفحة 73
392