كتاب معاني الأخبار للكلاباذي

@ 76@وقوله : فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي يجوز أن يكون معناه : إن خلا بذكري اخليت ستره عن سواي ، وإن أخفى ذكره لي إجلالا لقدري ، وتعظيما لحقي وغيرة على الذكر لي اخفيته في غيبي فلا اطلع عليه إلا احبائي غيرة عليه مني ، وأغيبه في غيب غيبي فلا يكون لشيء إليه طريق فيشغله عني فيكون سري بين خلقي كما كنت سره في خلقي.
|وفي بعض الروايات من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي فيجوز أن يكون معناه : من ذكرني في نفسه هو الذي ذكرته في نفسي كأنه يقول : من ذكرني في نفسه هو الذي ذكرته في نفسي ، أي : في غيبي قبل ايجادي له ، وقبل ذكره لي وقبل كل قبل في أزل الآزال ، وسابق العلم والله أعلم.
|وإن ذكرني في ملأ افتخارا بي وإجلالا بين خلقي ، ذكرته في ملأ خير منهم مباهاتا به ، وتعظيما لقدره بين ملائكتي اللذين هم افضل ممن ذكرني فيهم وهم المؤمنون مباهاة كقوله {إني جاعل في الأرض خليفة [البقرة : 30] الآية ، فأجاب : إني أعلم ما لا تعلمون.
|ويجوز أن يكون معنى قوله : في ملأ خير منهم أي خير منهم حالا لأن الملائكة أحوالهم حالة واحدة ، وهي الحالة المرضية لقوله تعالى : {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء : 20] وقال : {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم : 6 ) ، والمؤمنون يتفاوت أحوالهم ، ويختلف اوقاتهم بين طاعة وضدها ، وفتور وتقصير ، وجد وتوفير ، فأولئك الملأ الذين هم الملائكة في أحوالهم خير من الملأ الذين هم المؤمنون ، وإن لم تكن الملائكة خيرا منهم في الفضل.
|ومعنى قوله وإن اقترب إلي أي بالقصد والنية شبرا قربته مني توفيقا وتيسيرا ذراعا ، وإن اقترب إلي بالعزم والاجتهاد ذراعا قربته مني بالهداية والرعاية باعا ، وإن اتاني معرضا عما سواي يمشي آويته إلى كنفي فيفوت من سواي آثرا فيه ، أو طريقا إليه كأنه يقول : من اعرض عما سوى الله ، وأقبل على الله مسرعا خوفا أن يدركه شيء فيقطعه عن سيره إلى الله ، وإقباله على الله آويته إلي وحلت بينه وبين كل قاطع وسبقت به كل مانع ، والله أعلم.

الصفحة 76