كتاب بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي
حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ح صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ح عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: ح يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو مَعْشرٍ الْبَرَاءُ قَالَ: ح شَدَّادُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الْوَازِعِ جَابِرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ قَالَ: «فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا، فَإِنَّ §الْبَلَاءَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ»
§حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ: ح أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: ح عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْكَشْوَرِيُّ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: ح عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقَهُ مُغْتَمًّا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا هَذَا الْغَمُّ الَّذِي أَرَاهُ فِي وَجْهِكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ أَصَابَهُمَا عَيْنٌ» ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَدِّقْ بِالْعَيْنِ، فَإِنَّ §الْعَيْنَ حَقٌّ "، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْعَيْنِ: الْعَيْنَ الَّتِي يَجْرِي مِنْهَا الْأَحْكَامُ وَالْأُمُورُ فِي الْخَلْقِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ الْقَدِيمُ، وَالْقَدَرُ السَّابِقُ، وَالْكِتَابُ الْأَوَّلُ الَّذِي بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مَا حَكَمَ فِي خَلْقِهِ، وَعَلَى عِبَادِهِ مِنَ الْمَكَارِهِ، وَالْمَحَابِّ، وَالْآلَامِ، وَالْمَلَاذِّ، وَمَا يَعْمَلُونَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَسَائِرِ أَحْوَالِهِمْ، وَمَا قُضِيَ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدِّقْ، وَتَحَقَّقْ بِأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُمَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْوَقْتِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا نَعْمَلُ فِيهِ , أَنَعْمَلُ عَلَى أَمْرٍ مُؤْتَنَفٍ، أَوْ أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ» ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ جِبْرِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ لَهُ: صَدِّقْ بِالْعَيْنِ، يَعْنِي: صَدِّقِ بِالْقَدَرِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: صَدِّقْ بِالْقَدَرِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِالْقَدَرِ، فَمَا هَذَا الْحُزْنُ الَّذِي -[88]- ظَهَرَ فِيكَ، وَلَيْسَ عَلَى أَنَّهُ يَأْمُرَهُ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ هُوَ فِيهِ، وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِمَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ ذِكْرُ شَيْءٍ فَيَقُولُ لَهُ: اعْمَلْ عَمَلَكَ، وَلَا يُهِمَّنَّكَ هَذَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: صَدِّقْ بِالْقَدَرِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ مُصَدِّقٌ، وَلَا يُهِمَّنَّكَ أَمْرُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَافِيهِمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَابَهُمَا عَيْنٌ» ، هِيَ الْآفَةُ الَّتِي تُصِيبُ الْإِنْسَانَ عِنْدَ اسْتِحْسَانِ أَحَدٍ شَيْئًا مِنْ فِعْلِهِ، أَوْ نَفْسِهِ، أَوْ بَدَنِهِ، فَيُصِيبُهُ عِلَّةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، لَا أَنْ يُحْدِثَ النَّاظِرُ فِي الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ فِعْلًا، فَإِنَّ الْمُحْدِثَ لَا يَفْعَلُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ فِي نَفْسِهِ، وَمَحَلِّ قَدْرَتِهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: صَدِّقْ بِتِلْكَ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ فَإِنَّهَا حَقٌّ، وَهَذِهِ الْآفَةُ وَالْعِلَّةُ تَزُولُ عَنْهُمَا، وَعَوِّذْهُمَا بِكَذَا، وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ تَسْكِينًا لِقُلُوبِ الْعِبَادِ، وَتَحْقِيقًا أَنَّ الَّذِي أَصَابَ الْمُعَيَّنَ إِنَّمَا أَصَابَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ قَالَ: عَوِّذْ بِاللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ الْعَيْنَ دَاءٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تُعْرِضُهَا، وَعْلَةٌ كَانَتْ تُسَمَّى عَيْنًا، وَلِذَلِكَ قَالَ: «إِنَّ الْعَيْنَ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ» ، أَيْ هَذَا الدَّاءُ يَقْتُلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ النَّاظِرَ إِذَا نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ فَاسْتَحْسَنَهُ، حَتَّى شُغِلَ بِهِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رُؤْيَةِ صُنْعِهِ، أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَنْظُورِ عِلَّةً، وَيَكُونُ نَظَرُ ذَلِكَ النَّاظِرِ سَبَبَهَا، فَيُؤَاخِذُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِجِنَايَتِهِ بِنَظَرِهِ إِلَيْهِ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَهَا بِهِ، وَهَذَا كَالضَّرْبِ مِنَ الضَّارِبِ بِالسَّيْفِ، فَيُحْدِثُ اللَّهُ تَعَالَى الْجِرَاحَةَ فِي الْمَضْرُوبِ، وَالْأَلَمَ فِيهِ، أَوْ خُرُوجَ الرُّوحِ عَلَى أَثَرِهِ، وَيَكُونُ هُوَ الْقَاتِلَ وَالْجَارِحَ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُ الْمَضْرُوبِ وَأَلَمُهُ فِعْلَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِفِعْلِ الضَّارِبِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الضَّارِبُ مَنْهِيًّا عَنِ الضَّرْبِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَحِقَهُ الْوَعِيدُ الَّذِي أَوْعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَاسْتَحَقَّهُ بِجِنَايَتِهِ، وَهُوَ الضَّرْبُ، فَكَذَلِكَ النَّاظِرُ مَنْهِيٌّ عَنْ نَظَرِهِ إِلَى الشَيْءِ مِنَ الْأَشْيَاءِ عَلَى غَفْلَةٍ وَنِسْيَانِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَتْ هَذِهِ جِنَايَتُهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَنْظُورِ عِلَّةً يُؤْخَذُ النَّاظِرُ بِجِنَايَتِهَا، وَذَلِكَ بَقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، يُبَيِّنُكَ هَذَا أَنَّ النَّظَرَ عَلَى الْغَفْلَةِ أَثَّرَ فِي الْمَنْظُورِ، فَكَيْفَ لَا يُؤَثِّرُ فِي النَّاظِرِ مِنَ الْوَعِيدِ؟ وَاللَّهُ الْهَادِي
الصفحة 87
392