كتاب الأموال لابن زنجويه (اسم الجزء: 2)

742 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَالْأَشْجَعِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ بُزَاخَةَ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ، §فَخَيَّرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ الْحَرْبِ الْمُجْلِيَةِ وَالسِّلْمِ الْمُخْزِيَةِ، فَقَالُوا لَهُ: هَذِهِ الْحَرْبُ الْمُجْلِيَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا السِّلْمُ الْمُخْزِيَةُ؟ فَقَالَ: أَنْ تُنْزَعَ مِنْكُمُ الْحَلْقَةُ وَالْكُرَاعُ، وَتُتْرَكُونَ أَقْوَامًا تَتَّبِعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ، وَنَغْنَمُ مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ، وَتَرُدَّونَ إِلَيْنَا مَا أَصَبْتُمْ مِنَّا، وَتَدُونَ قَتْلَانَا، وَيَكُونُ قَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ، فَقَامَ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنَّكَ رَأَيْتَ رَأَيًا وَسَنُشِيرُ عَلَيْكَ، أَمَّا مَا رَأَيْتَ أَنْ تَنْزَعَ مِنْهُمُ الْحَلْقَةَ وَالْكِرَاعَ، فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ، وَأَمَا مَا ذَكَرْتَ أَنْ يُتْرَكُوا أَقْوَامًا يَتَّبِعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ، حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَهُمْ عَلَيْهِ، فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنْ نَغْنَمَ مَا أَصَبْنَا مِنْهُمْ، وَيَرُدُّوا إِلَيْنَا مَا أَصَابُوا مِنَّا، فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ، وَأَمَّا مَا رَأَيْتَ أَنْ -[461]- يَدُوا قَتْلَانَا وَيَكُونَ قَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ، فَإِنَّ قَتْلَانَا قُتِلُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ، لَيْسَتْ لَهُمْ دِيَاتٌ " قَالَ: فَتَابَعَ الْقَوْمُ قَوْلَ عُمَرَ

743 - قَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، لَمْ يَقْبَلْ إِسْلَامَهُمْ وَصُلْحَهُمْ إِلَّا بِنَزْعِ الْحَلْقَةِ وَالْكِرَاعِ مِنْهُمْ، بِمَا أَعْلَمْتُكَ، ثُمَّ تَابَعَهُ عُمَرُ عَلَى هَذَا وَالْقَوْمُ مَعَهُ، وَلَا نَرَاهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ إِلَّا اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَأَشْبَاهَا مِنَ الْقُرَى الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا كُرْهًا، بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَى بَعْضِ بِلَادِهِمْ، وَلَوْ كَانَ إِسْلَامُهُمْ رَغْبَةً غَيْرَ رَهْبَةً، لَسُلِّمَتْ لَهُمْ أَمْوَالُهُمْ، لِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَجْنَحُوا إِلَى السِّلْمِ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ الظُّهُورَ كُلَّهُ، وَيَصِيرُوا أُسَارَى فِي أَيْدِيهِمْ مَا تَرَكَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا وَلَكَانَتْ غَنَائِمَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا بَيْنَ الْحَالَيْنِ، قَدْ نَالُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَالَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، فَلِهَذَا وَقَعَ الصُّلْحُ

744 - وَكَذَلِكَ فَعَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِأَهْلِ الْيَمَامَةِ فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَكَانَ خَالِدٌ قَدْ نَهَكَتْهُ الْحَرْبُ وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ -[462]- مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، فَعَمَدَ مُجَّاعَةُ بْنُ مُرَارَةَ الْخَفِيُّ إِلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَأَلْبَسَهُمُ السِّلَاحَ وَأَقَامَهُمْ عَلَى الْحُصُونِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَظَنَّ أَنَّهُمْ مُقَاتِلَةٌ، وَقَدْ بَلَغَتِ الْحَرْبُ مِنْهُمْ وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا بَلَغَتْ، فَدَعَاهُ مُجَّاعَةُ إِلَى الصُّلْحِ عِنْدَ هَذَا، فَصَالَحَهُ عَلَى رُبْعِ الرَّقِيقِ وَنِصْفِ الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلْقَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ خَالِدٌ الْحُصُونَ بَعْدَ الصُّلْحِ فَلَمْ يَرَ فِيهَا إِلَّا الذَّرَارِيَ وَالنِّسَاءَ، قَالَ لِمُجَّاعَةَ: خَدَعْتَنِي، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: قَوْمِي وَلَمْ أَسْتَطِعْ إِلَا مَا رَأَيْتَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعَثَ سَلَمَةَ بْنَ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ إِلَى خَالِدٍ أَنْ لَا تَسْتَبْقِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ رَجُلًا قَدْ أَنْبَتَ، فَوَجَدَ خَالِدًا قَدْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ

الصفحة 460