كتاب العدة في أصول الفقه (اسم الجزء: 4)

وعلى أن اتفاقهم على وضع كذب [١٦٩/أ] وانتحال (١) شعر، واختيار لفظ، إنما لم يجز؛ لأنه لا أمارة عليه تدعو إليه، وليس كذلك الحكم الشرعي فإن عليه أمارة تدعو إليه، وتدل عليه، فجاز أن تجمع خواطر العدد الكثير على اعتقاد صحته، والحكم به. ويدل عليه أنه يجوز اتفاقهم على الصدق، وإن كان لا يجوز اتفاقهم على وضع الكذب؛ لأن الكذب لا داعي له يعمهم، وللصدق داع يعمهم، ويجمعهم، كذلك للحكم دليل يعمهم، ويجمعهم، فافترقا.
واحتج: بأن من نفى القياس وخالفه لا يفسق، ومن خالف الإجماع فسق، فكيف ينعقد الإجماع الذي يفسق من خالفه عن قياس لا يفسق من خالفه.
والجواب: أنه إنما يفسق إذا لم يتأيد (٢) بالإجماع عليه، فأما إذا تأيد (٣)
بالإجماع عليه، قوي بالمصير إليه، ففسق جاحده، وهذا كما قلنا في خبر الواحد: من جحده لا يفسق، ومع هذا إذا انعقد الإجماع فسق مانعه.
وهكذا من منع صيغة العموم لا يفسق، فإذا انعقد الإجماع به فسق مانعه ومخالفه، وكذلك القياس مثله.
واحتج: بأن القياس فرع والإجماع أصل، فكيف ينعقد الأصل عن فرعه.
والجواب: أنه ليس بفرع للإِجماع، وإنما هو فرع لأصله الذي استنبط منه وذلك الأصل آية أو حديث (٤) فإذا صح انعقاده عن أصل القياس صح انعقاده عن فرع ذلك الأصل.
---------------
(١) في الأصل "انتخال" بالخاء المعجمة.
(٢) في الأصل (يتأبد) بالباء الموحدة.
(٣) في الأصل: (تأبد) بالباء الموحدة.
(٤) في الأصل: (أوجب) .

الصفحة 1130