كتاب العدة في أصول الفقه (اسم الجزء: 4)

دليلنا:
أن من لا مدخل له في طرق الاجتهاد ورد الفروع إلى الأصول، فإنه يجري في أحكام الشرع مجرى العامي، فلما لم يعتد بالعامة فيما لا علم لهم به، لأنهم تبع للعلماء، منقادون لهم، وجب أن لا يعتبر أيضاً في الإجماع من ليس من أهل النظر والاجتهاد.
ويبين صحة هذا: أن من لا مدخل له في تقويم الثوب وما يجري مجراه، فإنه لا يرجع إلى قوله فيه، ولا يعتد بقوله إذا احتيج إلى تقويم الثوب ونحوه، وكذلك من لا مدخل له في النظر بطرق الاجتهاد في أحكام الحوادث.
ولأن القول يتبع العلم [١٧٠/ب] بالقول، والعمل يتبع العلم بالمعمول به، فلم يجز أن يعتد في الإجماع على الشيء بمن لا علم له به.
ولأن المجتهد في الإجماع هو من كان معه آلة الإجماع التى يتوصل بها إلى معرفة الحكم، بأن يعرف القياس وأحكام المسائل وعلَلَها، حتى يقيس نظائرها عليها، ويرد الفروع إلى الأصول التى تشبهها، ومن لا يعرف أحكام الفروع لا يتمكن من هذا الذي ذكرنا، فلم يكن من أهل الاجتهاد إذا كان عارفاً بأشياء أخر، كمن عرف الحساب واللغة وغير ذلك من أنواع العلوم.
فإن قيل: إذا عرف أصول الفقه أمكنه رد فروعه إليه.
قيل: ليس الأمر على هذا، لأنه إنما يمكن رد الفروع إلى الأصول، إذا عرف معانيَها ونظائرها، حتى يقيسَ عليها.
ويبين هذا: أنه لو كان هذا من أهل الاجتهاد لا يُحْتَمل قوله في الحادثة وتوقيفُه على الحكم، وما اقتصر على مجرد سكوته.
---------------
= قلت: ولاشك أن معرفة أصول الفقه شرط في المجتهد، ولكنها ليست كل الشروط، فمعرفتها وحدها لا تكفي في تسنم رتبة الاجتهاد. والله أعلم.

الصفحة 1137