كتاب العدة في أصول الفقه (اسم الجزء: 4)

والثاني: أنه يحتمل أن لا يرويه تورعاً؛ لأنه لم يقم على حفظ اللفظ فأفتى بمعناه.
وقولهم: إنه لا يجب علينا اتباعه إذا لم يخبر به، لا يصح أيضاً؛ لأن الصحابي إذا قال قولاً مخالفاً للقياس، فالظاهر أنه لا يقوله إلا عن توقيف، فتكون فتياه أمارة على الخبر عن النبي فوجب العمل به، كما وجب العمل بخبر الواحد، وإن لم يقطع على صدقه؛ لأن الظاهر صدق الراوي.
وقولهم: إن مشاهدة الرسول لا توجب عصمته لعمري (١) ، إلا أنه يوجب له مَزِيَّة من الوجه الذي ذكرنا، فوجب تقديمه، كما وجب تقديم خبر الواحد على القياس وإن لم يكن مقطوعاً به.
وقولهم: إن العالم لا يجب عليه اتباع من هو أعلم منه، وكذلك صغار الصحابة لا يلزمهم اتباع أكابرهم، فلا يصح، لأن العالِمَيْن تساويا في طريق الاجتهاد. وكذلك الصحابة تساووا في مشاهدة التنزيل وحضور التأويل والنص عليهم، فمزيَّة أحدهما (٢) [١٧٧/ب] على الآخر في الحكم المشترك لا توجب التقديم، كالبينتين إذا تعارضتا وأحدهما أعدل وأدين وأزهد، فإنه لا يرجح بها لمساواة الأخرى لها في العدالة، كذلك ها هنا.
واحتج المخالف:
بقوله تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ في شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (٣) وقد وجد التنازع فوجب الرد إلى الكتاب والسنة.
---------------
(١) هكذا في الأصل، والعبارة وردت في الاعتراض: (.... من الخطأ في الاجتهاد) .
(٢) هنا وقع تقديم وتأخير لبعض الصفحات من فِعْل من جَلَّد المخطوطة، وقد رتبناها على الوضع الصحيح، ورقمناها كذلك.
(٣) آية (٥٩) من سورة النساء.

الصفحة 1188