كتاب العدة في أصول الفقه (اسم الجزء: 4)

دليله: ما بعد الشرع.
فإن قيل: من أين لك أنه لا ضرر عليه، ولعله يَرِد الشرع بحظر ما كان قد استباحه.
قيل: ما لم يرد الشرع بالحظر فلا ضرر عليه فيه، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذَّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١) .
دليل ثان: أَن الله تعالى قد أحْوَجَ العاقل إلى الانتفاع بما قد أظهره من المنافع وأحضرها إياه، ولم يمنع عنها مانع، فكانت مباحةً مأذوناً فيها.
ألا ترى: أن من أحضر قوماً، مائدة عليها ألوان الطعام محتاجين إليها، ولم يضع هناك مانعاً من ذلك، فإن ذلك يجري مجرى الإذن في الإباحة، كذلك هاهنا.
فإن قيل: فهذا المعنى موجود في الخمر والخنزير.
قيل: قد كان قبل ورود الشرع على الإباحة، وبعد الشرع حرام؛ لورود الشرع بمنعه.
دليل ثالث: أن الله تعالى خلق هذه الأشياء على وجه يمكننا الانتفاع بها، وهو سبحانه يتعالى عن الانتفاع بها، فوجب أن يكون الغرض أن ينتفع بها (٢) العبد.
فإن قيل: ما أنكرت على من قال: إنه أحضر هذه الأشياء للاعتبار [١٨٩/أ] بها، لا للانتفاع بها.
قيل: بل أحضرها للانتفاع بها، كما قلنا فيمن أحضر طعامه لجماعة بهم حاجة إليه، فإنه إذن وإباحة. كذلك ها هنا.
وجواب آخر وهو: أنَّا نقول: خلقها للأمرين جميعاً، للانتفاع، والاعتبار بها.
---------------
(١) آية (١٥) من سورة الإسراء.
(٢) في الأصل (به) .

الصفحة 1253