كتاب العدة في أصول الفقه (اسم الجزء: 4)

وقد استوفينا الكلام هناك ولكن نشير إليه فنقول:
قال الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١) .
ولأنه لو كان في العقل حسَن وقبيح وواجب ومحظور لم يخلُ ذلك من أن يكون معلوماً ببدائِه العقول وأوَّل فيها؛ لأنه لو كان كذلك لوجب اشتراك العقلاء أجمع في ذلك، ولمَا جاز أن يخالف في ذلك قوم من العقلاء الذين (٢) بهم يثبت التواتر علم أنه ليس بمعلوم ضرورة.
يبين صحة هذا: أن استحالة وجود الجسم الواحد في مكانين متباعدين في حالة واحدة كما كان معلوماً بضرورة العقل وأوَّل فيه، لم يجز مخالفة قوم يثبت بهم التواتر.
وكذلك جميع ما يعلم بضرورة العقل وأوَّل فيه وفي العلم بخلاف أكثر العلماء في ذلك الذين ببعضهم يثبت التواتر دليل على أنه ليس بمعلوم ضرورة.
فصل
[الحظر للأفعال دون الأعيان]
وقال أبو الحسن: والحظر والإباحة، والحلال والحرام، والحسَن والقبيح، والطاعة والمعصية، وما يجب وما لا يجب، كل ذلك راجع إلى أفعال الفاعلين دون المفعول به، فالأعيان والأجسام لا تكون محظورة ولا مباحة، ولا تكون
---------------
(١) آية (١٥) من سورة الإسراء.
ووجه الاستدلال من هذه الآية -كما ذكره المؤلف في كتابه مختصر المعتمد ص (٢٢) -: (فأخبر أنهم آمنون من العذاب قبل بعثة الرسل.... فإنه لم يوجب عليهم شيئاً من جهة العقل، بل أوجب عند مجيء الرسل) .
(٢) في الأصل: (الذي) .

الصفحة 1260