كتاب العدة في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

والجواب: أن هذا خرق الإجماع؛ لأنهم استحسنوا التكلم بالمجاز مع استقباحهم الكذب، وعلى أن الكذب يتناول الشيء على غير سبيل المطابقة، والمجاز فيه تطابق الخبر من طريق العرف، وإن كان لا يطابق اللغة.
واحتج: بأنه لو تكلم بالمجاز؛ لكان به حاجة إليه.
والجواب: أن هذا يوجب أن لا يتكلم بالحقيقة؛ لأنه يقتضي الحاجة أيضًا؛ فإن قيل: إنما يتكلم بالحقيقة لحاجة عبيده، لا لحاجة نفسه، قيل: وكذلك المجاز.
واحتج: بأن العدول عن الحقيقة إلى المجاز للضرورة؛ فلا يجوز وصف الله تعالى بالحاجة والضرورة إليه.
والجواب: أنه يستعمل في غير ضرورة؛ بل ذلك يستحسن في لغتهم، كما تستحسن الحقيقة، كما أن الإطالة قد تستحسن في موضع من كتاب الله تعالى، ولم يدل ذلك على أنه إنما يحتاج إليها من لا يقدر على الإيجاز، كذلك ههنا.
فصل: يصح الاحتجاج بالمجاز ١
والدلالة عليه: أن المجاز يفيد معنى من طريق الوضع، كما أن الحقيقة تفيد معنى من طريق الوضع. ألا ترى أن قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} ٢ يفيد المعنى، وإن كان مجازًا؛ لأن الغائط هو المكان
---------------
١ راجع هذا الفصل في: "المسودة" ص"١٧٠".
٢ "٤٣" سورة النساء.

الصفحة 701