كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 17)

فأكمل أبو تمام على البديهة وبنفس الوزن والقافية:
لاَ تُنكروا ضَرْبي لَهُ مَنْ دُونَهُ مثَلاً ... شَرُوداً في النَّدَى والبَاسِ
فَاللهُ قَدْ ضربَ الأقلَّ لنُورِهِ ... مَثَلاً من المشْكَاةِ والنِّبراسِ
فالله تبارك وتعالى هو نور السموات والأرض أي: مُنوِّرهما، وهذا أمر واضح جداً حينما تنظر إلى نور الشمس ساعة يظهر يجلو الكون، بحيث لا يظهر معه نور آخر، وتتلاشى أنوار الكواكب الأخرى والنجوم رغم وجودها مع الشمس في وقت واحد، لكن يغلب على نورها نور الشمس، على حَدٍّ كقول الشاعر في المدح:
كأنكَ شَمْسٌ والمُلوكُ كَواكبٌ ... إذَا ظَهَرتْ لَمْ يَبْدُ منهُنّ كوكَبُ
ثم يقول سبحانه: {نُّورٌ على نُورٍ} [النور: 35] فلم يتركنا الحق سبحانه وتعالى في النور الحسيِّ فقط، إنما أرسل إلينا نوراً آخر على يد الرسل هو نور المنهج الذي ينظم لنا حركة الحياة، كأنه تعالى يقول لنا: بعثت إليكم نوراً على نور، نور حِسيِّ، ونور قيمي معنوي، وإذا شهدتم أنتم بأن نوري الحسيّ ينير لكم السموات والأرض، وإذا ظهر تلاشت أمامه كل أنواركم، فاعلموا أن نور منهجي كذلك يطغَى على كل مناهجكم، وليس لكم أن تأخذوا بمناهج البشر في وجود منهج الله.
وقوله تعالى: {يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ} [النور: 35] أي: لنوره المعنوي نور المنهج ونور التكاليف، والكفار لم يهتدوا إلى هذا النور، وإنِ اهتدوا إلى النور الحسيِّ في الشمس والقمر وانتفعوا به، وأطفأوا له مصابيحهم، لكن لم يكُنْ لهم حظ في النور المعنوي، حيث أغلقوا دونه عيونهم وقلوبهم وأسماعهم فلم ينتفعوا به.
وكان عليهم أن يفهموا أن نور الله المعنوي مِثْلُ نوره الحسي لا يمكن الاستغناء عنه، لذلك جاء في أثر علي بن أَبي طالب: «من تركه من جبَّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدي في غيره أضله الله» .

الصفحة 10274