كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 17)

وهذا القول مردود بقوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] .
إذن: فهذه المخلوقات تُسبِّح على الحقيقة ولها لسان ولغة، لكنك لا تفهم عنها ولا تفقه لغاتها، وهل فهمتَ أنت كل لغات بني جنسك حتى تفهم لغات المخلوقات الأخرى؟ إن العربي إذا لم يتعلم الإنجليزية مثلاً لا يستطيع أن يفهم منها شيئاً، وهي لغة منطوقة مكتوبة، ولها ألفاظ وكلمات وتراكيب مثل العربية.
إذن: لا تقُلْ تسبيحَ حال، هو تسبيح مقال، لكنك لا تفهمه، وكل شيء له مقال ويعرف مقاله، بدليل أن الله تعالى إنْ شاء أطلع بعض أهل الاصطفاء على هذه اللغات، ففهمها كما فهم سليمان عليه السلام عن النملة {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا} [النمل: 19] وسمع كلام الهدهد وفهم عنه ما يقول عن ملكة سبأ.
ونقول لأصحاب هذا الرأي: تأملوا الخلية المسدَّسة التي يصنعها النحل وما فيها من هندسة تتحدى أساطين الهندسة والمقاييس أن يصنعوا مثلها، تأمَّلوا عش الطائر وكيف ينسج عيدان القش، ويُدخل بعضها في بعض، ويجعل للعُشِّ حافَّة تحمي الصغار، فإذا وضعْتَ يدك في العُشِّ وهو من القَشِّ وجدتَ له ملمسَ الحرير، تأملوا خيوط العنكبوت وكيف يصطاد بها فرائسه؟
لقد شاهدت فِليماً مصوراً يُسجِّل صراعاً بين دب وثور، الدب رأى قرون الثور طويلة حادة، وعلم أنها وسيلة الثور التي ستقضي عليه، فما كان منه إلا أن هجم على الثور وأمسك قَرْنَيْه بيديه، وظل ينهش رأس الثور بأسنانه حتى أثخنه جراحاً حتى سقط فراح يأكله.
إذن: كيف نستبعد أن يكون لهذه المخلوقات لغات تُسبِّح الله بها

الصفحة 10291