كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 17)

قالوا: لأن القرآن ليس كتابَ أحكام فحسب كالكتب السابقة، إنما هو كتاب إعجاز، والأصل فيه أنه مُعْجز، ومع ذلك أدخل فيه بعض الأصول والأحكام، وترك البعض الآخر لبيان الرسول وتوضيحه في الحديث الشريف، وجعل له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حقاً في التشريع بنصِّ القرآن: {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7] .
والقرآن حين يُورد الأحكام يوردها إجمالاً ثم يُفصِّلها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فالصلاة مثلاً أمر بها الحق تبارك وتعالى وفرضها، لكن تفصيلها جاء في السنة النوبية المطهرة، فإنْ أردتَ التفصيل فانظر في السنة.
كالذي يقول: إذا غاب الموظف عن عمله خمسة عشر يوماً يُفصَل، مع أن الدستور لم ينص على هذا، نقول: لكن في الدستور مادة خاصة بالموظفين تنظم مثل هذه الأمور، وتضع لهم اللوائح المنظِّمة للعمل.
وذكرنا أن الشيخ محمد عبده سأله بعض المستشرقين: تقولون في القرآن: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38] فهات لي من القرآن: كم رغيفاً في إردب القمح؟ فما كان من الشيخ إلا أن أرسل لأحد الخبازين وسأله هذا السؤال فأجابه: في الإردب كذا رغيف. فاعترض السائل: أريد من القرآن.
فردَّ الشيخ: هذا من القرآن؛ لأنه يقول: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .
فالأمر الذي يصدر فيه حكم من الله وحكم من رسول الله، كالصلاة مثلاً: {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً} [النساء: 103] .

الصفحة 10313