كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

وإذا كنا لا نفهم هذه الحروف. فوسائل الفهم والإعجاز في القرآن الكريم لا تنتهي، لأن القرآن كلام الله. والكلام صفة من صفات المتكلم. . ولذلك لا يستطيع فهم بشري أن يصل إلى منتهى معاني القرآن الكريم، إنما يتقرب منها. لأن كلام الله صفة من صفاته. . وصفة فيها كمال بلا نهاية.
فإذا قلت إنك قد عرفت كل معنى للقرآن الكريم. . فإنك تكون قد حددت معنى كلام الله بعلمك. . ولذلك جاءت هذه الحروف إعجازا لك. حتى تعرف إنك لا تستطيع أن تحدد معاني القرآن بعلمك. .
إن عدم فهم الانسان لأشياء لا يمنع انتفاعه بها. . فالريفي مثلا ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما يذاع بالقمر الصناعي وهو لا يعرف عن أي منها شيئا. فلماذا لا يكون الله تبارك وتعالى قد أعطانا هذه الحروف نأخذ فائدتها ونستفيد من اسرارها ويتنزل الله بها علينا بما أودع فيها من فضل سواء أفهم العبد المؤمن معنى هذه الحروف أو لم يفهمها.
وعطاء الله سبحانه وتعالى وحكمته فوق قدرة فهم البشر. . ولو أراد الانسان أن يحوم بفكره وخواطره حول معاني هذه الحروف لوجد فيها كل يوم شيئا جديدا. لقد خاض العلماء في البحث كثيرا. . وكل عالم أخذ منها على قدر صفائه، ولا يدعي أحد العلماء أن ذلك هو الحق المراد من هذه الحروف. . بل كل منهم يقول والله أعلم بمراده. ولذلك نجد عالما يقول (ألر) و (حم) و (ن) وهي حروف من فواتح السور تكون اسم الرحمن. . نقول إن هذا لا يمكن ان يمثل فهما عاما لحروف بداية بعض سور القرآن. . ولكن ما الذي يتعبكم أو يرهقكم في محاولة ايجاد معان لهذه الحروف؟! . .
لو أن الله سبحانه وتعالى الذي أنزل القرآن يريد أن يفهمنا معانيها. . لأوردها بمعنى مباشر أو أوضح لنا المعنى. فمثلا أحد العلماء يقول إن معنى (ألم) هو أنا الله اسمع وأرى. . نقول لهذا العالم لو أن الله أراد ذلك فما المانع من أن يورده بشكل مباشر لنفهمه جميعا. . لابد أن يكون هناك سر في هذه الحروف. . وهذا السر هو من أسرار الله التي يريدنا أن ننتفع بقراءتها دون أن نفهمها. .
ولابد أن نعرف أنه كما أن للبصر حدوداً. وللأذن حدوداً وللمس والشم والتذوق حدوداً، فكذلك عقل الانسان له حدود يتسع لها في المعرفة. . وحدود فوق قدرات

الصفحة 108