كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 17)

موضع العزة والشموخ، فالحق تبارك وتعالى يريد لهم الذلَّة والمهانة، وفي موضع آخر يُبيِّن أن كل الأعضاء ستكبُّ في النار، فيقول تعالى: {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ والغاوون} [الشعراء: 94] .
وليس هذا المصير ظلماً لهم، ولا افتراءً عليهم {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 90] وكما يقول سبحانه: {لاَ ظُلْمَ اليوم} [غافر: 17] فلم نجامل صاحب الحسنة، ولم نظلم صاحب السيئة.
فما دام أن الله تعالى أعطانا هذه المعلومات التي تلفتنا إلى قدرته في آياته الكونية، وذكَّرنا بالآخرة، وما فيها من الثواب والعقاب، فما عليك إلا أنْ تلتزم (عرفت فالزم) واعلم أن مَنْ أبلغك منهج الله سيسبقك إلى الالتزام به، فالشرع كما أمرك أمرني.
{إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة} [النمل: 91] فإنْ طلبتُ منكم شيئاً من التكاليف فقد طالبتُ نفسي به أولاً؛ لأنني واثق بصدق تبليغي عن الله؛ لذلك ألزمتُ نفسي به.
والعبادة كما قلنا: طاعة العابد للمعبود فيما أمر وفيما نهى؛ لأن ربك خلقك من عَدَم، وأمدك من عُدْم، ونظّم لك حركة حياتك، فإنْ كلَّفك فاعلم أن التكليف من أجلك ولصالحك؛ لأنه رب مُتولٍّ لتربيتك، فإنْ تركك بلا منهج، وبلا افعل ولا تفعل، كانت التربية ناقصة.
إذن: من تمام الربوبية أن يوجهني ربي كما نُوجِّه نحن أولادنا الصغار ونُربِّيهم، ومن تمام الربوبية أن توجد هذه الأوامر وهذه

الصفحة 10862