كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 18)

وفي حديث آخر:» يا بْن آدم، تقول: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما لبسْتَ فأبليتَ، أو أكلتَ فأفنيتَ، أو تصدَّقْتَ فأبقيت «.
والإمام علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يسأله أحدهم: أنا من أهل الدنيا، أم من أهل الآخرة؟ فقال الإمام: الجواب عندك أنت، فقال: كيف؟ قال: هَبْ أنه دخل عليك شخص بهدية، وآخر يطلب منك صدقة فلأيِّهما تبشُّ؟ إنْ كنت تبش لصاحب الهدية فأنت من أهل الدنيا وأن كنت تبشّ لطالب الصدقة فأنت من أهل الآخرة.
ذلك لأن الإنسان يحب ما يعمر له محبوبه، فإنْ كان من أهل الدنيا يحب ما يعمرها له، وإنْ كان من أهل الآخرة يحب مَنْ يعمر له آخرته.
ثم يعلل الحق سبحانه لماذا يمهدون لأنفسهم: {لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ ... } .
وذكر هنا الإيمان فقال {لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ ... } [الروم: 45] ثم {وَعَمِلُواْ الصالحات ... } [الروم: 45] حتى لا يظن أحد أن العمل الصالح ربما يُغني عن الإيمان. وهذه مسألة شغلتْ كثيراً من الفلاسفة، يقولون: كيف أن الرجل الكافر الذي يعمل الصالحات لا يُجازى عليها؟
نقول له: أُجر ويُجازى على عمله الصالح لكن في الدنيا؛ لأنه لم يعمل لله، بل عمل للشهرة وللصيت، وقد أخذ منها تكريماً

الصفحة 11494