كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 18)

شفعاء يطلبون لهم، لكن خَاب ظنهم في هذه وفي هذه.
فالمعنى {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57] لا يجرؤ شفيع أنْ يقول لهم: استعتبوا ربكم، واسألوه أنْ يعتبكم أي: يزيل العتاب عنكم.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا ... } .
وهذه الآية تعني أننا لم نترك معذرة لأحد ممن كفروا برسلهم؛ لأننا جئنا لهم بأمثال متعددة وألوان شتى من الأدلة المشاهدة ليستدلوا بها على غير المشاهد ليأخذوا من مرائيهم ومن حواسهم دليلاً على ما غاب عنهم.
فحين يريد سبحانه أن يقنعهم بأن يؤمنوا بإله واحد لا شريك له يضرب لهم هذا المثَلَ من واقع حياتهم: {ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ... } [الزمر: 29] .
هل يستوي عبد لسيد واحد مع عبد لعدة أسياد يتجاذبونه، إنْ أرضي واحد أسخط الآخرين؟
ثم يُقرِّب المسألة بمثَلٍ من الأنفس، وليس شيء أقرب إلى الإنسان من نفسه، فيقول الحق سبحانه وتعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ

الصفحة 11547