كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 2)

لهؤلاء نقول: أنتم تتكلمون عما بلغكم من دين لم يجئ لينظم حركة الحياة، وإنما جاء ليعطي الجرعة المفقودة عند اليهود وهي الجرعة الروحية، لكن الدين الإسلامي جاء خاتماً للأديان منظماً لحركة الحياة، فكل أمر في الحياة وكل حركة فيها داخلة في حدود الطاعة.
ونحن حين نقرأ القرآن الكريم، نجد القول الحكيم: {ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]
إذن الحق سبحانه يأمر المؤمنين ويخرجهم من حركة من حركات الحياة إلى حركة أخرى، فهو لم يأخذهم من فراغ، إنما ناداهم لإعلان الولاء الجماعي، وهو إعلان من كل مؤمن بالعبودية لله أمام بقية المخلوقات. وبعد أن يقضي المؤمنون الصلاة ماذا يقول لهم الحق سبحانه؟ يقول لهم: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]
إذن فالانتشار في الأرض هو حركة في الحياة، تماماً كما كان النداء إلى السعي لذكر الله. وهكذا تكون كل حركة في الحياة داخلة في إطار الطاعة، إذن «سمعنا وأطعنا» أي سمعنا كل المنهج، ولكن نحن حين نسمع المنهج، وحين نطيع فهل لنا قدرة على أن نطيع كل المنهج أو أن لنا هفوات؟ .
ولأن أحداً لن يتم كل الطاعة ولنا هفوات جاء قوله الحق: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المصير} فالغاية والنهاية كلها عائدة إليك، وأنت الإله الحق، لذلك فنحن العباد نطلب منك المغفرَة حتى نلقاك، ونحن آمنون على أن رحمتك سبقت غضبك ويقول الحق:

الصفحة 1241