كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

إذن فقد عرفت الروح بأثرها، والروح مخلوق لله. . فكيف تريد وأنت عاجز أن تدرك مخلوقا في جسدك وذاتك وهو الروح بآثارها. . ان تدرك الله سبحانه وتعالى بحواسك.
ونحن إذا آمنا بالقمة الغيبية وهو الله جل جلاله. . فلابد أن نؤمن بكل ما يخبرنا عنه وإن لم نَرَه. . ولقد أراد الله تبارك وتعالى رحمة بعقولنا أن يقرب لنا قضية الغيب فأعطانا من الكون المادي أدلة على أن وجود الشيء، وادراك هذا الوجود شيئان منفصلان تماما. .
فالجراثيم مثلا موجودة في الكون تؤدي مهمتها منذ بداية الخلق. . وكان الناس يشاهدون آثار الأمراض في أجسادهم من ارتفاع في الحرارة وحمى وغير ذلك وهم لا يعرفون السبب. . فلما ارتقى العلم وأذن الله لخلقه أن يروا هذا الوجود للجراثيم. . جعل الله العقول قادرة على أن تكتشف المجهر. . الذي يعطينا الصورة مكبرة. . لأن العين قدرتها البصرية أقل من أن تدرك هذه المخلوقات الدقيقة. . فلما اكتشف العلم المجهر. . استطعنا أن نرى هذا الجراثيم. . ونعرف أن لها دورة حياة وتكاثر إلى غير ما يكشفه الله لنا من علم كما تقدم الزمن. .
إن عدم قدرتنا على رؤية أي شيء لا يعني أنه غير موجود.
. ولكن آلة الإدراك وهي البصر عاجزة عن أن تراه، لأنه غاية في الصغر. . فاذا جئت بالمجهر كبر لك هذا الميكروب ليدخل في نطاق وسيلة رؤيتك وهي العين. . ورؤيتنا للجراثيم والميكروبات ليست دليلا على أنها خلقت ساعة رأيناها. . بل هي موجودة تؤدي مهمتها. . سواء رأيناها أو لم نرها.
فلو حدثنا أحد عن الميكروبات والجراثيم قبل أن نراها رؤية العين. . هل كنا نصدق؟ . . والله سبحانه وتعالى ترك بعض خلقه غير مدرك في زمنه لبعض حقائق الكون ليرتقي الانسان ويدرك بعد ذلك. . وكان المفروض أنه يزداد ايمانا. . عندما يدرك وليعرف الخلق بالدليل المادي أن ما هو غيب عنهم موجود وان كنا لا نراه. .
والله تبارك وتعالى قد أعطانا من آياته في الكون ما يجعلنا ندرك أن لهذا الكون خالقا. . فالشمس والقمر والنجوم والأرض والانسان والحيوان والجماد لا يستطيع أحد أن يدعي انه خلقهم. . ولا أحد يمكن أن يدعي أنه خلق نفسه أو غيره. .

الصفحة 128