كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

ولذلك حين تقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24] ترى ما يفيد الارتفاع والعلو في الهداية، وما يفيد الانخفاض والنزول في الضلالة؛ وإنما كان العلوّ في الهدى. . لأن المنهج قَيَّدَ حركة حياتك اعزازا لك لعلوك وسمو مقامك في أنك لا تأخذ من بشر تشريعا. . ولا تأخذ من ذاتك حركة. . وإنما يرتفع بك لتتلقي عن الله سبحانه وتعالى. . وهذا علو كبير. . ولكن عند الضلالة قال: «في ضلال» . . و (في) تدل على الظرفية المحيطة. . وهو كما وصفه الله سبحانه وتعالى في آية أخرى بقوله جل جلاله: {بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته فأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81] أحاطت به الخطيئة. . أي لا يستطيع أن يفلت منها لأنه مظروف في الضلال. . وما دامت الخطيئة محيطة به فلا يجد منفذا لأنها تحكمه. . وما دامت تحكمه فلا يمكن أن يصل إلى هدى مطلقا. . فالحق سبحانه وتعالى حينما قال: {أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون} . . اختار لفظا عليه دلالة دنيوية تقرب المعنى الى السامع. .
ما هو الفلاح؟ . . المعنى العام هو الفوز والْمُفْلِحُ هو الفائز. ومعنى الآية الكريمة أولئك هم الفائزون وقال: «هم المفلحون» .
. لأن الفلاح مأخوذ من شق الأرض للبذر. . ومنه سُمِّيَ الفلاح الذي صفته شق الأرض ورمي البذور فيها. .
والحق سبحانه تعالى جاء بهذا اللفظ بالنسبة للآخرة لآنه يريد أن يأتي لنا مع الشيء بدليله. . وهناك فرق بين أمر غيبي عنا لا نعرفه. . وأمر غيبي يستدل عليه بمشهود. .

الصفحة 133