كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

فالدين يقيد حريتك في الحياة في أن تفعل ولا تفعل. . ومنهج الله جاء ليقول لك إفعل كذا ولا تفعل كذا. وكثير من الناس يظن أن ذلك تقييد لحركة حياة المؤمن واثقال عليه. . لأنه أخذ منه حرية حركته فقيدها. .
ان الله تبارك وتعالى حين يقول لك لا تفعل. . معناها عند السطحيين أنه ضيق عليك ما تريد أن تفعل. . وحين يقول لك افعل. . معناها يكون قد ضيق عليك في شيء لا تريد أن تفعله. فمثلا: حين يطلب منك الزكاة. . فالزكاة في ظاهرها نقص المال، وإن كانت في حقيقتها بركة ونماء. . ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه»
فالحق سبحانه وتعالى اذا قيد حركتك في الحياة. . لا تظن أن هذا تضييق عليك. . بل ان هذا لفائدتك. . لأنه لم يأمرك وحدك، ولكن الأمر للناس جميعا حين يقول جل جلاله: لا تسرق. . فقد قالها للناس جميعا ولذلك تكون أنت الرابح. . لأنه قيدك وأنت فرد من أن تسرق من غيرك. . ولكنه قيد ملايين الناس من أن يسرقوا منك. . اذن فالله لم يضيق عليك، ولكنه حمى مالك من الناس كل الناس. . قيدك وأنت فرد أن تسرق من مال غيرك، وقيد ملايين أن يسرقوا من مالك. . فمن الفائز؟ . . أنت طبعا. .
وقوله تعالى: {وأولئك هُمُ المفلحون} (المفلحون) من مادة فلح. . فاذا كانت الأرض صماء فحينما نشقها ونبذرها تعطي محصولا عظيما، العملية أخذناها أبا عن جد. فالأرض حين تشق وتُبذر تُعطي محصولا وافرا. . واذا كانت هذه العملية أخذت أبا عن جد. . يأتي السؤال من الذي علم آدم البذر والزرع؟ . . نقول علمه الله سبحانه وتعالى كما علمه الأسماء. . وكما علمه ما يمكنه به أن يباشر مهمته في الأرض. .
والحق جل جلاله لم يكن يترك آدم في حياته على الأرض دون أن يعلمه ما يضمن استمرار حياته وحياة أولاده. . يعلمه على الأقل بدايات. . ثم بعد ذلك تتطور هذه البدايات بما يكشفه الله من علمه لخلقه. . وبعد ذلك جاءت القرون المتقدمة

الصفحة 134