كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

فاستطعنا أن نستخدم آلات حديثة متطورة تقوم بعملية الحرث والبذر. .
ولكن الحقيقة الثابتة التي لم تتغير منذ بداية الكون ولن تتغير حتى نهايته. . هي أن مهمة الانسان أن يحرث ويضع البذرة في الأرض ويسقيها. . أما نمو الزرع نفسه فلا دخل للانسان فيه.
. وكذلك الثمر الذي ينتجه لا عمل للإنسان فيه. .
ولقد نبهنا الله تبارك وتعالى الى هذه الحقيقة حتى لا نغتر بحركتنا في الحياة ونقول إننا نحن الذين نزرع. . واقرأ قول الحق جل جلاله في سورة الواقعة: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة: 63 - 67] وهكذا ظلت مهمة الفلاحة في الأرض مقتصرة على الحرث والسقي والبذر، وحينما تلقى الحبة في الأرض يخلق الله في داخلها الغذاء الذي يكفيها حتى تستطيع أن تأخذ غذاءها من الأرض. . واذا جئت بحبة وبللتها تجد أنها قد نبت لها ساق وجذور. . من أين جاء هذا النمو؟ . من تكوين الحبة نفسه، والله تبارك وتعالى قد قدر في كل حبة من الغذاء ما يكفيها حتى تستطيع أن تتغذى من الأرض. . وعلى قدر كمية الغذاء المطلوبة يكون حجم الحبة. . وحين تضعها في الأرض فإنها تبدأ أولا بأن تغذي نفسها. . بحيث ينبت لها ساق وجذور وورقتان تتنفس منهما. . كل هذا لا دخل لك فيه ولا عمل لك فيه. . وتبدأ الحبة تأخذ غذاءها من الأرض والهواء. . لتنمو حتى تصبح شجرة كبيرة تنتج الثمر من نوع البذرة نفسه.
ومن هنا جاءت كلمة (المفلحون) . . ليعطينا الحق جل جلاله من الأمور المادية المشهودة ما يعين عقولنا المحدودة على فهم الغيب. . فيشبه التكليف وجزاءه في الآخرة بالبذور والفلاحة. . أولا لأنك حين ترمي بذرة في الأرض تعطيك بذورا كثيرة. .

الصفحة 135