كتاب تفسير الشعراوي (اسم الجزء: 1)

فوجد كل ما في الكون مسخر لخدمته والاشياء تستجيب له فظن بمرور الزمن ان له سيطرة على هذا الكون. . ولذلك عاش وفي ذهنه قوة الاسباب. . يأخذ الاسباب وهو فاعلها فيجدها قد اعطته واستجابت له. . ولم يلتفت الى خالق الاسباب الذي خلق لها قوانينها فجعلها تستجيب للانسان. . وقد اشار الحق تبارك وتعالى الى ذلك في قوله جل جلاله: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 6 - 7] ذلك ان الانسان يحرث الارض فتعطيه الثمر. . فيعتقد انه هو الذي اخضع الارض ووضع لها قوانينها لتعطيه ما يريد. . يضغط على زر الكهرباء فينير المكان فيعتقد انه هو الذي اوجد هذه الكهرباء} يركب الطائرة. . وتسير به في الجو فيعتقد انه هو الذي جعلها تطير. . وينسى الخصائص التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الغلاف الجوي ليستطيع ان يحمل هذه الطائرة. . يفتح التليفزيون ويرى أمامه احداث العالم فيعتقد ان ذلك قد حدث بقدرته هو. . وينسى ان الله تبارك وتعالى وضع في الغلاف الجوي خصائص جعلته ينقل الصوت والصورة من اقصى الدنيا الى اقصاها في ثوان معدودة. . وهكذا كل ما حولنا يظن الانسان انه اخضعه بذاته. . بينما كل هذا مسخر من الله سبحانه وتعالى لخدمة الانسان. . وهو الذي خلق ووضع القوانين. . نقول له انك لو فهمت معنى ذاتية الاشياء ما حدثتك نفسك بذلك. . الشيء الذاتي هو ما كان بذاتك لا يتغير ولا يتخلف ابدا. . انما الامر الذي ليس بذاتك هو الذي يتغير. .
واذا نظرت إلى ذاتيتك تلك التي اغرتك واطغتك. . ستفهم ان كلمة ذاتية هي ألا تكون محتاجا الى غيرك بل كل شيء من نفسك. . وانت في حياتك كلها ليس لك ذاتية. . لأن كل شيء حولك متغير بدون ارادتك. . وانت طفل محتاج إلى أبيك في بدء حياتك. . فاذا كبرت وأصبح لك قوة واستجابت الاحداث لك فإنك لا تستطيع ان تجعل فترة الشباب والفتوة هذه تبقى.
. فالزمن يملك ولكن لفترة محدودة. . فاذا وصلت الى مرحلة الشيخوخة فستحتاج الى من يأخذ بيدك ويعينك. . ربما على ادق حاجاتك وهي الطعام والشراب. .

الصفحة 139